الثنائي الشيعي للمسيحيين: الطاعة أو الرحيل!

أنطوني جعجع

لماذا يعمل الثنائي الشيعي على انتخاب رئيس للجمهورية ما دام حسن نصر الله حاكماً مطلقاً بأمره وما دام نبيه بري رئيساً مطلقاً بالوكالة؟

سؤال يطرحه المسيحيون في كواليسهم من دون تلقي أي جواب مقنع يبرر هذا التمادي في إبقاء قصر بعبدا فارغاً وكأنه واحد من أطلال الماضي السحيق، أو كأنه معلم تاريخي لا يدخله أحد قبل الحصول على بركة واحد منهما على الأقل.

الواقع، ومن دون مقدمات، أن هذا الثنائي يتعامل مع المسيحيين تحت شعار الغالب والمغلوب، معتبراً أن المسيحيين من دون سلاح ومن دون قيادات مهيبة وتحالفات اقليمية ودولية، مجرد طائفة يتيمة يمكن السطو على كل ما تملكه من مواقع وامتيازات وممتلكات من دون ضربة كف، يساعده في ذلك الانقسام المسيحي المزمن والمتراكم والمتواصل على مستوى القاعدة والقيادة والكنيسة معاً، وحال الاحباط التي أفرغت العائلات من شبانها والقرى من سكانها والمواقع من توازناتها.

والواقع أيضاً، أن المسيحيين اللبنانيين، لا يعانون فقط هيمنة الثنائي الشيعي، بل يدفعون ثمن السياسات الغربية التي قدمت سياسة المصالح على سياسة الشعوب، وتعاملت، منذ انطلاق أول رصاصة في الحرب اللبنانية، مع الكتلة المسيحية على أنها “كتلة ثقيلة أو غريبة في بيئة من لون واحد”، أو على الأقل كتلة في غير مكانها ويجب أن تختار بين أمرين: اما التنازل عن السلطة أو المفاتيح الأساسية فيها واما الرحيل.

الثنائي الشيعي يعرف ذلك تماماً، وينطلق من هيمنته وسطوته وتسلطه من هذا الواقع بالذات، معتبراً أن السبيل الوحيد للوصول الى دولة تكون نسخة عن ايران في حسابات “حزب الله” أو نسخة عن النظام السوري في حسابات حركة “أمل”، هو لجم المسيحيين أو ترهيبهم أو عزلهم أو تغييبهم أو ترحيلهم، آخذاً في الاعتبار أن المسيحيين كانوا في طليعة من قاتل في الخمسينيات طموحات عبد الناصر، وفي الستينيات والسبعينيات طموحات ياسر عرفات، وفي الثمانينيات والتسعينيات طموحات آل الأسد، وفي السنوات العشرين الماضية يتصدون باللحم الحي وما تبقى من عزيمة لديهم، للهيمنة الايرانية ومن يدور في فلكها.

ويقول مصدر في “حزب الله”: ان من غير الممكن تحويل لبنان الى “جمهورية اسلامية” مع وجود مسيحيين متمردين أو مسيحيين مستعدين للمواجهة، مشيراً الى أن “المقاومة الاسلامية تنظر الى القسم الأكبر من المسيحيين على أنهم حصان طروادة محتمل لا نعرف متى يدخل الخدمة بايعاز من أميركا أو إسرائيل”.

ويذهب المصدر بعيداً الى حد القول: ان “حزب الله”، يراقب حركة المسيحيين في لبنان تماماً كما يراقب حركة الاسرائيليين، ويحشد خلايا نائمة في معظم المناطق المسيحية تحسباً لأي تحرك شعبي مسيحي محتمل يمكن أن يعرقل المشروع الايديولوجي من جهة والديموغرافي من جهة ثانية، وهو ما يفسر حال العصبية الهائلة التي ظهر بها حسن نصر الله بعد مقتل باسكال سليمان منسق “القوات اللبنانية” في جبيل محذراً المسيحيين جميعاً من أي مغامرات أو ردود فعل غير سلمية.

ولم يكن حسن نصر الله وحده من لجأ الى هذه اللغة التهويلية، اذ انضم اليه معاونوه مهددين المسيحيين باجتياح مناطقهم في غضون ساعتين، واعتبار القسم الأكبر منهم ومن دون أي تردد أو تحفظ أو لياقات جزءاً من اللوبي الاسرائيلي أو الاستراتيجية الأميركية.

وليس سراً أن هذا الثنائي يتولى توزيع صكوك البراءة للمسيحيين غب الطلب، بحيث يصبح “عميل سابق” حليفاً راسخاً ما دام مناصراً أو مباركاً لما يقرره حسن نصر الله أو يخطط له نبيه بري، ويبقى “عميل آخر” أسير الشبهات والاتهامات والتهويلات ما دام عدواً أو خصماً أو مغرداً في أي سرب آخر حتى لو كان من سرب الملائكة.

ويقول مصدر قريب من أحزاب المعارضة المسيحية: ان على المسيحيين أن يتفهموا التحالفات التي يقيمها الثنائي الشيعي سواء مع ايران أو سوريا، وأن يباركوا أي حرب يخوضها منفرداً ولغايات خارجية في معظمها، وأي اتفاقات ملتبسة يبرمها على غرار اتفاق الحدود البحرية من اسرائيل، من دون أن يملكوا حق الاعتراض أو التحفظ أو حتى ابداء الرأي، وأن يفتحوا مناطقهم لأسراب الدراجات النارية الاستفزازية والمظاهرات الاحتجاجية التي تستفزهم وتعتدي على أملاكهم وكراماتهم من دون أن يملكوا حق التصدي جسدياً أو لفظياً، ولا حق الدفاع عن النفس في وقت تقف القوى الأمنية متفرجة في مكان وشريكة في القمع في مكان آخر.

ويضيف: لسنا هنا في وارد تصوير المسيحيين وكأنهم من جنس الملائكة، اذ لهم من الأخطاء ما يكفي لارسالهم الى جهنم، لكن هذا لا يعني أن عليهم تصوير الآخرين وكأنهم من الطينة التي تستحق الثناء وكل عفو قد يصدر من السماء.

ويذهب مصدر آخر بعيداً الى حد القول: ان كل ما يفعله الثنائي الشيعي سواء طوعاً أو قسراً، هو دفع المسيحيين الى المطالبة بالتقسيم أو الفديرالية، بعدما بدأ يتعامل مع تقاليدهم وعاداتهم وثقافتهم وتاريخهم من منطلق التضييق الذي يصل الى حدود التكفير في بعض المرات، وحتى الى حدود محو الرموز المسيحية التي ميزت لبنان القديم وفي مقدمهم جبران خليل جبران وفيروز وبكركي والزعامات التي تركت بصمات جوهرية في تاريخ البلاد.

وليس سراً أن “حزب الله” يشرف على نحو ستين ألف طفل شيعي في مدارس تدرس اللغة الفارسية وتهيئهم ليكونوا نواة لما يمكن أن يتحول غداً الى “حرس ثوري” أو “سفراء للمحبة” الذين يتولون فرض الحجاب قسراً في البلاد.

وقد يكون في هذا العرض بعض المبالغة في عالم الهواجس المسيحية، لكنه ليس بعيداً من الهواجس السنية والدرزية مع فارق وحيد يتمثل في أن السنة يعانون عائقين: غياب القيادة الملهمة والقوية، وعقدة “السابع من أيار”، في حين قرر دروز وليد جنبلاط الوقوف في الوسط ودروز طلال ارسلان التحالف مع الممانعين، الأمر الذي أظهر صوت المسيحيين أعلى مما هو عليه عملياً، أو على الأقل الفريق الذي ينفرد قسراً في العداء أو التباين مع البيئة الشيعية.

وهنا لا بد من السؤال، وماذا بعد في جعبة هذا الثنائي الذي خرج من القمقم بدعم فلسطيني – سوري في مرحلة أولى ودعم سوري – ايراني في مرحلة ثانية، وتحول الى فريق يسهم في تحدي الداخل والخارج معاً ويحوّل لبنان الى مصدر قلاقل وأخطار تهدد سلام المنطقة واستقرار العالم، وتجعل بندقيته بندقية للايجار في كل حروب ايران سواء ضد اسرائيل أو أميركا أو أوروبا أو دول الخليج؟

ومع تمرير مشروع التمديد للبلديات يكون هذا الثنائي بالتعاون مع بعض المسيحيين قد أذلَّ مرة جديدة الغالبية المسيحية التي تتفرج على سقوط مواقعها الواحد بعد الآخر والاستخفاف بمطالبها مطلباً بعد آخر، من دون أن تملك القدرة على الرد دفاعاً أو هجوماً.

هذا جزء جوهري من واقع المسيحيين في لبنان، لكنه واقع يتفاوت في حاله من فريق مسيحي الى فريق آخر، بحيث يكون بعضهم غطاء للشيعة خوفاً أو مصلحياً، وبعضهم الآخر غطاء للسنة اقتناعاً أو تماهياً، الى الحد الذي تناسيا فيه كيف يبقيان قيادات حرة في المطلق، وكيف لا تكون الرؤوس عرضة للانحناء حيناً وللبيع حيناً آخر، وكيف لا تتحول القاعدة الى مراكب تعج بالمهاجرين الى حيث لا يذلهم مسلح أعمى أو يرهبهم لاجئ سائب، ولا يخيّبهم زعماء عملاء في عالم الصغار أو ضعفاء في عالم الكبار.

شارك المقال