عرس “الجماعة” لشهيديها في عكّار يُثير جدلاً محلّياً ويستفزّ أدرعي!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يكن تشييع “الجماعة الاسلامية” لعنصريْن بارزيْن من “قوّات الفجر” هما مصعب سعيد خلف وبلال محمّد خلف اللذان قضيا بعد استهداف إسرائيلي لسيّارتهما في البقاع الغربي، حدثاً عاديّاً شمالاً إذْ أحدث مرورهما من مدينة طرابلس وصولاً إلى مسقط رأسيْهما في ببنين العكّارية، حالة من الجدل والانقسام، خصوصاً مع ظهور مسلّح رافق عملية التشييع التي انتقدها سياسيّون، كما كتب عنها المتحّدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصّة “إكس” قائلاً: “لبنان في قبضة الارهاب! جنوباً وحتى شمالاً، حيث تظهر الصور من عكار إرهابيين من الجماعة الاسلامية في شمال هذه الدولة وهم يطلقون النار ويتجولون في الشوارع مدجّجين بالسلاح كميليشيا إرهابية مجرمة بعد تصفية إثنين من عناصرها”.

موجة الانتقادات السياسيّة التي تحدّثت عن “ضرورة الحدّ من المظاهر المسلّحة”، لم تُرافقها انتقادات شعبية شمالاً أو جنوباً، إذْ بارك الأهالي بدءاً من طرابلس مروراً بالبداوي، دير عمار، المنية ووصولاً إلى عكّار وحتّى الجنوب، عملية التشييع، فصحيح أنّ الرصاص الطائش أو الـ “آر بي جي” أقلقاهم، إلا أنّهم أجمعوا على كلمة واحدة قائمة على التمسّك بعقيدة محاربة العدوّ، “ولو لم يكن الأمر استفزازياً، لما كان علّق الناطق باسم جيش العدو”، وفق ما يقول البعض لـ “لبنان الكبير”.

ويُشدّد مصدر من “الجماعة” على أنّها تواصلت لأكثر من مرّة مع أمنيين شمالاً وقبيْل عملية التشييع تحسباً لأيّة تجاوزات، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ المظاهر المسلّحة لا تعود الى الجماعة، وقد تكون من شباب متحمّس من البلدة وخارجها، لكنّ الجماعة اتفقت على عدم رغبتها في إطلاق رصاصة واحدة، وأنّ الردّ على العدو يكون بتكريم الشهيدين واستمرار العمل، لا عبر توجيه السلاح إلى الداخل. لذلك نستنكر تبنّي بعض الوسائل الاعلامية نظرية أنّ التسليح جاء بناءً على توجيهات الأمين العام للجماعة الشيخ محمد طقوش، ونقول لهم إنّ الكلام من دون قرائن ودليل يُعدّ كذباً للتصويب علينا، فيما نؤكّد أنّ الأمنيين الذين سحبوا العسكريين خوفاً عليهم من المظاهر المسلّحة في ببنين، كنّا أوصيناهم بالبقاء ليُلقوا القبض على أيّ متجاوز لن نطالب به حتّى ولو كان من الجماعة وهو ليس كذلك”.

ويُؤكّد مصدر حزبيّ لـ “لبنان الكبير” أنّ “الجماعة” كانت أوضحت في بيانها، عدم صلتها بالمظاهر المسلّحة، الاستعراضية أو “الملثمة”، بحيث وجد متعاطفون حملوا راية “الجماعة” إكراماً لشهدائها، لكن نُشير إلى أنّ “انتقاد السياسيين الذي يُعدّ محقًا كمبدأ، يبقى غير عادل، لأنّ هذه المظاهر منتشرة في كلّ لبنان، الا أنّ السيف وقع ليحكم على أهالي ببنين، فيما رأينا مظاهر مسلّحة بعد أحداث الكحّالة، ورأيناهم يتحاربون داخلياً بالسلاح، ثمّ رأينا هذه المظاهر بعد مقتل باسكال سليمان، وبعد فوز نوّاب في الانتخابات وغيرها من الأحداث التي تُفسّر اجتماعياً، لكنّها لم تُحارب أو يُحكم عليها كما في عكّار”.

ويتحدّث رئيس بلدية ببنين كفاح الكسّار، وهو عضو المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى وعضو المكتب السياسي في “الجماعة” عن التشييع، قائلاً في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”: “إنّ الشهيديْن ابنا البلدة، كانا بزّيّهما المدني حين اغتيلا في سيارتهما، ولم نتوقّع استهدافهما، لكن بوجود عملية تعقّب واضحة من العدو الذي يطمح الى احتلال البلاد من الفرات إلى النيل، وقعت عملية الاغتيال المدبّرة، واعتقدنا في بداية الأمر أنّهما تعرّضا لحادث سير، لنكتشف بعدها العملية”.

وعن السلاح الموجود في التشييع الذي حضره أكثر من 50 ألفاً من البلدة وخارجها، يُضيف: “لم تستعرض الجماعة قواها في التشييع، لكن حينما يكون الأمين العام للجماعة موجوداً ستكون معه مرافقة لم تُطلق رصاصة، وكنت أطلقت تسجيلات ونداءات قبل التشييع بيومين لمنع هذه الظاهرة، لأنّني أدرك طبيعتنا القبلية والاجتماعية، وكذلك فعل الرجل الجليل والد الشهيد مصعب وهو سعيد خلف، أيّ مسؤول الجماعة ورئيس مكتبها في عكّار، الذي تحدّث عن هذا الأمر من المسجد، لكن لم نتمكّن من ضبط فلتان الشارع قطعاً، فهل بات المطلوب منّا دفن الشهداء ليلاً وبصمت تام لنرضي الأطراف اللبنانية؟ مستحيل، ولا نموت أذلاء ولا ننسى بأنّنا الفصيل المقاوم الأوّل منذ العام 1982 بعد ملحمة الفجر ضدّ العدو، وذلك في وقتٍ نتمسّك فيه بأخلاقياتنا وانفتاحنا على الجميع بمبادرات أجريناها ميدانياً”.

وكان “لبنان الكبير” حاول التواصل مع والد مصعب خلف وهو من مؤسسي “الجماعة” في لبنان، “وقارع النّظام السوري الذي نفاه خارج لبنان فترة الوصاية، ويُعرف بأخلاقه الهادئة وبالعمل الدعويّ”، لكنّ حالته الصحية الصعبة منعته من الحديث، فيما يُؤكّد مقرّبون منه أنّه “فخور باستشهاد ابنه، لكنّه حزن ويئس من الرصاص لأنّه مؤمن بأنّ البندقية لا تكون إلّا ضدّ العدو”.

ويُؤكّد عضو المجلس البلديّ في ببنين المحامي نهاد سلمى، رفض البلدة المؤّلفة من 50 ألف نسمة المظاهر المسلحّة لأنها “تُسيء الى كلّ مسلم، لكن تلبيسها للجماعة التي تُعدّ منضبطة أمر مبالغ فيه، وما نعلمه أنّ متعاطفين أطلقوا الرصاص قهراً على شابين محبوبين وكانا يحتكّان بأهالي المنطقة بأخلاقهما الحميدة، بالتزامهما الدّيني وبقضية فلسطين وبرغبتهما في متابعة العمل الجهادي بقلب حاضر، لكن تبقى طريقة اغتيالهما صادمة ومفجعة، الا أنّنا نفتخر بها خصوصاً بعد ذكر العدو لهما بالاسم”. وإذْ يُؤكّد أهمّية تدخل العناصر الأمنية التي “غابت عن الصورة في التشييع”، يلفت إلى تسجيل غياب واضح للوسائل الاعلامية أيضاً، في مقابل حضور سجّلته وسائل التواصل، وقنوات “المنار”، “الميادين”، “الجزيرة مباشر” و”العهد”.

شارك المقال