ما هي العوامل التي تحدد السلوك الاستراتيجي الإيراني اليوم؟

حسناء بو حرفوش

ما هي العوامل التي تفسر التحول في التفكير والسلوك الاستراتيجي لطهران اليوم، وما الذي تقوله عن المسار الإيراني في ظل الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي؟ الباحث في “معهد دول الخليج العربي” ومؤلف كتاب “الكشف عن إيران”، علي ألفونه، يجيب عن السؤال في مقال على الصفحة الإنكليزية لموقع المعهد (AGSIW).

ووفقاً للمقال، “لقد طرح الصعود السياسي السريع لرئيسي في الجمهورية الإسلامية بعض التكهنات حول التحول الوشيك في التفكير والسلوك الاستراتيجي لطهران. ومع ذلك، ليس هذا التحول بمستجد، بل كان  طور الإعداد منذ بعض الوقت (…) وذلك، في ظل الهجمات المنسوبة إلى طهران بخلاف الهجمات الانتقامية ضد السفن الإسرائيلية، كتخريب الشحن في خليج عمان في أيار 2019 وهجمات أيلول 2019 على منشآت معالجة النفط السعودية ومحاولة اختطاف السفينة “أسفالت برينسيس” في آب الجاري (…) وقد يتجه المسار إلى السلوك الأكثر تصادمية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تعلم المسؤولين في طهران أربعة دروس إستراتيجية ترتبط بالعوامل الآتية:

  • الحروب بالوكالة تضمن انتصارات عسكرية لإيران في سوريا واليمن.
  • على الرغم من انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب من الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة، تمسكت إيران بمثابرتها وبحملة ضغوطاتها القصوى.
  • لم تقابل الاعتداءات على السعودية والإمارات بردود عسكرية أميركية.
  • ساهمت جائحة فيروس كورونا بزيادة سيطرة الدولة على المجتمع الإيراني بدلاً من تقليلها.

(…) كما تساهم عوامل أخرى بتشكيل التفكير الاستراتيجي وسلوك الدول، مثل الظفر بنصر في الحروب. وقد ضمن التدخل العسكري الإيراني في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011 والاستخدام الواسع النطاق لقوات عسكرية بالوكالة، ولا سيما مقاتلي حزب الله اللبناني، بقاء النظام الحليف للرئيس السوري بشار الأسد (…) وبالتالي، يبدو أن الدرس الذي استفادت منه الجمهورية الإسلامية في استراتيجيتها واضح للغاية: الحرب بالوكالة فعالة للغاية.

من ناحية أخرى، تعلمت إيران أن للدبلوماسية حدودها. فعلى الرغم من أن عدداً من كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين بالإضافة إلى وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس، شهدوا على الامتثال الإيراني، انسحب ترامب من الاتفاق النووي في أيار 2018. وانخرطت إدارته في حرب اقتصادية ضد إيران، وعبرت عن هدفها بتغيير سلوك الجمهورية الإسلامية، إن لم يكن بتغيير النظام نفسه. وقد غيرت طهران بالفعل سلوكها، ولكن للأسوأ من وجهة نظر الولايات المتحدة، كما نجحت بتحفيز الصادرات غير النفطية للتعويض عن خسارة عائدات النفط. وبينما أثقلت المعاناة من كاهل الشعب الإيراني، نجا النظام وتعلم درسه الاستراتيجي الثاني: المثابرة تعني البقاء.

الدرس الثالث يرتبط بتجربة إيران ضد الدولتين العربيتين الأكثر صراحة في دعمهما لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الإمارات والسعودية، حيث فشلت الهجمات الإيرانية المشتبه بها والتي استهدف مصالح البلدين بإحداث تأثير دائم على أسعار النفط، أضف إلى أن واشنطن لم توقف حربها الاقتصادية ضد إيران (…) وبغياب التدخل الأميركي، اكتشفت إيران أن واشنطن لا تمتلك شهية للحرب وتمسكت بفعالية الترهيب.

رابعاً، قد لا يكون كورونا قد علّم فعلاً الجمهورية الإسلامية درساً استراتيجياً جديداً، لكنه أكد (…) في ظل الاحتجاجات المناهضة للنظام والتي شهدتها البلاد، أن الجمهور الإيراني لم ينجح في أي وقت من الأوقات بتهديد بقاء النظام بسبب الفقر أو سوء التغذية أو المرض أو الخوف من المرض. لا بل وعلى العكس من ذلك، أثبت التوزيع الانتقائي للحكومة للموارد الشحيحة مثل الخبز واللقاحات إلى جانب قمع الاحتجاجات، فعاليته وأبقى النظام صامداً.

وترشد هذه الدروس الإستراتيجية سلوك الجمهورية الإسلامية التي ستتبع على الأرجح مساراً أكثر تصادمية: في ظل عدم وجود تهديد وجودي للنظام، ليس من المرجح أن تستوعب طهران مطالب واشنطن الإضافية كشرط مسبق لعودة الولايات المتحدة إلى التزامها بالاتفاق النووي الإيراني. في النهاية، ما الذي قد يدفع إيران لتقديم المزيد من التنازلات دون أي ضمان بأن أي رئيس أميركي جديد بعد جو بايدن سوف يحترم التزامات هذا الأخير؟ وبنفس القدر من الأهمية، لماذا تقدم المزيد من التنازلات إذا كانت إدارة بايدن غير قادرة سياسياً على القضاء على أسس العقوبات؟

ستستمر طهران بالتفاوض مع واشنطن، لكنها تعمل بالفعل على تهيئة الأجواء النفسية في غرفة المفاوضات من خلال المزيد من الهجمات ضد الحلفاء العرب للولايات المتحدة، على أمل أن تستخدم الرياض وأبو ظبي نفوذهما في واشنطن لتخفيف العقوبات ضد إيران أو التراجع عن العقوبات القائمة. كما يرجح أن تستثمر الجمهورية الإسلامية بشكل أكبر في الأدوات التي ضمنت انتصاراتها في السنوات الأخيرة مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي ووكلاء إيران المستعدين لخوض حروبها وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية مع الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى زيادة تنويع الاقتصاد الإيراني لتحقيق قدر أكبر من الاستقلال بعيداً عن المجال النفطي وزيادة التركيز على الحرس الثوري الإيراني والباسيج لقمع المحتجين داخل منازلهم. ولا يبشر أي مما سبق الولايات المتحدة أو حلفائها العرب بالخير، ولا بد من الاستعداد لإيران تتحضر للمواجهة بكل ثقة”.

شارك المقال