وأي مقارنات؟

علي نون
علي نون

ولا في أسوأ الكوابيس كان يمكن أن يمر المسار الكارثي الراهن للوضع اللبناني.

في بعض اللحظات السود يذهب المخيال من شدة القنوط واليأس المرحليين، الى افتراض السيء وتوقع الاسوأ، لكن لم يكن لذلك الهم والغم ان يشتغلا طوال الوقت. ولا ان تصير اللحظة دواما كاملا. ولا ان يتحول الاستثناء الغلط الى قاعدة ثابتة يلهج اصحابها بصحتها وتدور فوقها ووفق احكامها مرارات واستحالات وانكسارات وتشوهات وطالعات ونازلات مثلما هو حاصل في كابوسنا الراهن .

مع ثنائية الجماعة العونية و”حزب الله” ذهب اللبنانيون الى ذروة المستحيل، وصارت الكوابيس الافتراضية وقائع وحقائق ترى وتعاش بالجملة والمفرق من قبلهم حتى اخذوا من العدم والعبث جل أشيائهم او يكادون: صار منطقهم الاستعادي قاتماً ولسانهم يلهج بمقولة سمعها ويسمعها كثيرون في مطارح اخرى ابتليت ببلائنا واكثر، كأن يقول عراقي او ليبي اليوم ان ايام صدام حسين ومعمر القذافي كانت احسن وانظم! وعلى الوتيرة المناحية ذاتها يقول لبنانيون ان أيام حربهم الأهلية المديدة كانت أحسن وأنظم !

والكلام ليس طيارا بل فيه شيء ما: إعدام سوية العيش في عراق صدام وليبيا القذافي لم يكن تاماً وشاملاً، بل ان الامن الممسوك والمحكم مثلاً كان بالنسبة الى متبرمي اليوم تعويضا معقولا وربما مقبولا عن غياب الحريات السياسية والاعلامية والاجتماعية. ووفرة المال كانت تغطي أشياء القذافي القميئة والمأسوية والمبكية وارتكابات وجرائم صدام ذات الأبعاد التاريخية والتبعات التاريخية… وكان “حضور” الخدمات الأولية والأساسية متل الخبز والمحروقات والكهرباء والماء والتعليم والطبابة…الخ كافياً لتغطية مثالب البطش والارهاب في المثالين النظاميين الكئيبين! لكن ما أفرزته المرحلة اللاحقة والمستمرة وإن بوتيرة أخف من البدايات، دفعت بأعداد يعتد بها من هؤلاء العراقيين والليبيين الى ارتكاب تلك المقارنة العبثية بين الماضي والحاضر اوبين السيء والاسوأ .

الاستطراد المحلي عندنا راح بالقنوط الى ذرى مشابهة: لبنانيون كثر وبكميات حرزانة ويعتد بها ايضا صاروا اسرى ذلك الفحش الفكري والشطط القميء، وما عادوا قادرين على تخطي المقارنات المركونة تحت خانة السيء والاسوأ… وصلت مواصيلهم الى القول بأن الحرب كانت مشتعلة والقتل سارح على هوى القتلة لكن الوفرة المالية كانت حاضرة ناضرة! والبنوك شغالة وناشطة وساعية على هدى الاقتصاد الرسمي والموازي! والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات كانت تعج بالضحايا والدواء سواء بسواء! والتقنين الذي ضرب الخدمات كالكهرباء مثلا عوضته وفرة في المحروقات الشرعية والحزبية، بما يكفي لتشغيل بدائل الانارة ومتطلبات كل من عليها بشرا ومؤسسات! الى اخر العد والمقارنات! لكننا اليوم في قحط اين منه قحط الصحارى والبراري!

في شكل المنطق الاستعادي هذا ومضمونه تكمن القتامة التامة التي انتجها ثنائي عون – “حزب الله”: بكى اللبنانيون في زمن الحرب لبنان الذي كان صنو الحياة في كل مناحيها ومعانيها لكنهم اليوم يبكون لبنان تلك الحرب! والذي صار راهنا صنو الترميد والاندثار والتشظي والبؤس والاملاق والشحار والبلايا السوداء !

مع ثنائية عون و”حزب الله” طاف العدم حتى غطى الرؤوس والنفوس وصار الموت موتان (بالجملة) على قولة ابن خلدون… وأي بلاء؟!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً