في بيتنا لص..

الدوري
الدوري

للبيت اللبناني ثمانية عشر مفتاحاً، تضاف إليها مفاتيح مصغرة لغرف الضيوف واللاجئين الذين يحملون مع سكان البيت أثقالهم وأوزار الحياة اليومية. وتطل نوافذ البيت اللبناني على عوالم جغرافية قريبة وعلى صداقات بعيدة وعلى علاقات سمحت بألا تنهار أساساته على الرغم من زلازل الحرب التي ما فتئت تضربه. وعلى السطح اللبناني علم جميل يرفرف بين سلاسل جبال حدودية تجعل من هذا البيت مصدر أمان وحضنا للضيافة. في البيت اللبناني الأصيل، لكل فرد من أفراد العائلة كرسيه على طاولة الاجتماع.. ولكن منذ فترة، سرقت بعض مفاتيحه وكسر “السياج” الحامي للحدود من كل الجهات وحرقت بعض الأشجار وتفجر قلب المونة وجفت بئر الماء.

لقد سرق البيت اللبناني..

وحين سرق البيت اللبناني، لم يأخذ أحد مال السنّة دون غيرهم ولا مال الشيعة دون سواهم ولا مال المسيحيين ولا مال الدروز ولا مال الأقليات ولا مال الأكثريات ولا مال الضيوف والمقيمين وحدهم. لقد سرقت غلة الجميع..لا بل سرق ما بقي من مال ليسدد أحفاد هذا البيت ديونهم. كان الأمل بأن أصحاب الدين يؤمنون بنوايا البيت اللبناني الطيب وبصدق التزامه. حين سرق البيت اللبناني، لم يخيل لأحد أن السارق جالس على طاولة العائلة. كان ينادي وصوتنا لصوته صدى: “مشكل داخلي، وزير، رئيس، سياسات خاطئة، فساد، لصوص، عدم تحمل مسؤولية، فراغ في السلطة، الناس جشعون، إلى آخره”.

شخصت الأنظار كلها للخلف، صوب لص خبيث وعدو قديم. لكن السارق لم يتأخر بكشف هويته حين صعد إلى سطح البيت على ظهور أخوته لينزل علمهم الجميل وحافظ لغتهم ويرفع علماً أجنبياً غريباً عن قوميتهم. لقد سرق حزب الله البيت اللبناني مرات ومرات ونحن نصر على نكران الحقيقة رأفة بالوحدة الوطنية.

سرقه في المرة الأولى حين صادر مفاتيح القرار من شركائه وتحكم بالقرار الداخلي. وسرقه في المرة الثانية حين قرر أن يتحكم بالمدخلات والمخرجات خلف أسيجته، الشرعية منها وتلك العابرة بين الثقوب وهو يخادع ويقول: ” نحن نَرفض التهريب ولا نوافق عليه”. وسرقه في المرة الثالثة حين قرر إغلاق الباب بوجه من بنى الجدران المتهاوية وبنى أدراجاً ليلتقي الأخوة بعد حرب ضروس. وها هو يسرقه مجدداً حين قرر أن يتحكم بكل مفاصل الحياة بداخله وصولاً إلى طعام المائدة والمحروقات للتدفئة.

أكثر ما يؤلمنا كلبنانيين في هذه السرقة هو أن حزب الله سرق “الله” منا، كما نراه بمحبته لنا ونحن المصلين بأشكال مختلفة وبمواقيت مختلفة وبأعياد متنوعة نتشاركها على الحلوة وعلى المرة. لقد سرق منا حرية لقائنا مع الله متى ما أردنا وبدون وساطة. لعل أحدنا أحب أن يتألم في عاشوراء لأننا نعيشها حرفياً بفضله، لكنه فرض على من ارتدى الصليب أن يشاهد لساعات طوال بحق أو بغير حق، درسا في “الأحقاد” وقصة عن “يزيد” وقومه الذين يمشون بيننا والتي قد لا يعرفها المسيحي المتابع لمسلسل بعد الأخبار في ليلة أربعاء صيفية. لقد سرق منا حزب الله رغبتنا بالتعبد أو بالحزن أو بالفرح أو بالصداقة أو بالعداوة حتى بروح شقية، وهو يرفع السلاح بوجهنا.

لم يسرق حزب الله بيتنا فحسب.. لقد أخذنا، نحن اللبنانيين العالقين في بيت متهاو حيث البراد فارغ والظلام دامس والقحط يسود والحب مذبوح والأفراح في حداد، رهينة الخداع والإيمان بسعي أحد اللصوص “لتركيع الشعب اللبناني ولإذلال الشعب اللبناني ولإخضاع الشعب اللبناني”، بينما في الحقيقة، خدعنا هو في السر وفي العلن، وباع أرواحنا وأرواح ذريتنا من بعدنا، ورماها فريسة للمجهول..

شارك المقال