كباش أميركي – ايراني جديد يُفقد لبنان الطاقة

هدى علاء الدين

يبدو أن كباشاً جديداً من نوع آخر سيُخاض بقوة على الأراضي اللبنانية بين الولايات المتحدة وإيران، أكثر الأطراف نزاعاً في العالم اليوم، عنوانه البنزين والمازوت والغاز الذي يحاول كل من الطرفين استقدامهما إلى لبنان بطريقته الخاصة من أجل السيطرة وكسب النقاط وقطع الطريق على الآخر. ففي حين ترى بعض المصادر في خطوة حسن نصرالله مغامرة جديدة من أجل امتصاص معاناة مناصريه وغضب الشعب من سياسة تهريب البنزين والمازوت عبر الحدود إلى سوريا منذ عقود واستمرار دعمه من جيوب اللبنانيين، ترى مصادر أخرى في ذلك مدخلاً جديداً للانقسام يضاف إلى الانقسامات العمودية التي تعصف بالمجتمع اللبناني.

فبعيد إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله تحرك بواخر المحروقات من إيران إلى لبنان وتحذيره من أي اعتداء عليها من قبل أميركا واسرائيل، تلقى رئيس الجمهورية ميشال عون اتصالاً من السفيرة الأميركية دوروثي شيا أبلغته فيه قرار الإدارة الأميركية بمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن، تُمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا، مع تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان وإجراء مفاوضات مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها وصيانة أنابيب الغاز.

صحيحٌ أن الحاجة حيوية للبنان من أجل الحصول على مورد نفطي، إلا أن مخاطر قانونية سترافق هذه العملية، خصوصاً على الشركات التي تُقدم ليس فقط على استيراد النفط بل أيضاً على تفريغ وتوزيع حمولة النفط القادم من إيران. وفي هذا الإطار يقول المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA، أن استيراد الوقود من إيران دون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزينة الأميركية يُعرّض لبنان لخطر العقوبات، الأمر الذي قد ينعكس مباشرة على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه، ويُجبر المصارف الخارجية المراسلة على التوقف عن التعامل معه، الأمر الذي سيضع القطاع المصرفي في مهب الريح.

وبحسب دراسة موجزة قامت بها JUSTICIA وحصل “لبنان الكبير” على نسخة منها، فإن القانون الأميركي ليس محصوراً فقط باستيراد النفط من إيران، بل إن التعاملات مع البنك المركزي الإيراني محظورة هي الأخرى، فالتعامل مع الجهات الإيرانية الوسيطة في الشحن وفي التمويل يعرّض القطاع المصرفي والمالي اللبناني أيضاً للعقوبات إذا تمّ من دون إعفاءٍ خاص. وبموجب الأمر التنفيذي 13846 الصادر بتاريخ 6 آب 2018، فإن استيراد النفط الإيراني إلى لبنان ممنوع بمقتضى العقوبات الأميركية والقوانين ذات الصلة، لاسيّما العقوبات التي صدرت بحق إيران في 5 تشرين الثاني 2018 عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزينة الأميركية OFAC وذلك كأداة لتحقيق أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية، وهي من أشدّ العقوبات التي صدرت بحقّ إيران.

وبالرغم من أن العقوبات الأميركية المفروضة على الأفراد والكيانات، والتي تنص على أن أي شركة أو فرد من القطاع الخاص أو العام الذي يساهم ويسهّل ويساعد في عملية استيراد النفط الايراني إن كان تفريغاً أو نقلاً أو شحناً أو أي طريقة أخرى مادية أو لوجيستية، سيكون عُرضة للعقوبات الأميركية، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يوجد إمكانية للقيام بهذا الاستيراد، فالعملية قد تتم إذا حصل لبنان على إعفاء خاص من هذه العقوبات وذلك من خلال تقديم طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزينة الأميركية عبر الحكومة وليس عبر شركة أو حزب أو جهة سياسية أياً كانت، متضمناً تبريراً مقنعاً ومعلّلاً عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات.

فهل ستنجح الحكومة اللبنانية في حال تقدّمت بطلب إعفاء خاص من وزارة الخزينة الأميركية من الحصول عليه إسوة بالصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان التي حصلت على اعفاءات استثنائية مؤقتة من العقوبات ريثما تجد بديلاً للنفط الإيراني. سؤال يبقى بحسب المُساعد السّابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر رهن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته الجديدة التي أعفت مصر والأردن من عقوبات قانون قيصر لاستجرار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية في رسالة واضحة فحواها عدم السماح للبنان بالسقوط في القبضة الإيرانية… وسواء نجحت أميركا في ذلك أم فشلت، يبدو جلياً أن هذا الكباش سيفتح الباب أمام لبنان للغوص في صراع المحاور المدمر من جديد.

شارك المقال