الفاشلان!

علي نون
علي نون
جبران باسيل وميشال عون

يشطح بعيدا في سعيه الشخصي السيد جبران باسيل، لكنه يتصرف كإنتحاري أكثر من كونه رجل سياسة طموحا وجموحا… وفي سعيه ذاك لا يكف عن تقديم الدليل تلو الاخر على غربته عن السياسة في أصلها وفروعها، وعلى أنه أقرب ما يكون إلى هاو مبتدئ ادخلته جملة ظروف معروفة الى ملعب يعج بالمخضرمين.

قال عنه عمه والد زوجته ورئيس الجمهورية ميشال عون انه تلميذه. ومن باب المديح جاء التوصيف المختصر هذا، لكنه في عالم الفصاحة جعل الاستطراد السلبي ممكناً ومتاحاً أمام الجميع كأن تُضاف كلمة فاشل بعد التلميذ، إلا إذا شاء الأخصام ان يردوا الفشل إلى صاحب القول والوصف فيصبح حينها التلميذ ناجحاً بامتياز! اي تلميذ ناجح في مدرسة فاشلة.

وذلك لا يمكن أن يكون افتراء في غير موضعه أو مذمة في غير موضعها. المعلم وتلميذه لا يمكنهما التشاوف بانجازات حرزانة في أي مجال حملاه وتنكباه، لا حرباً وسياسة عند الاول ولا تنظيماً وحضوراً واصلاحاً عند الثاني.

الرئيس عون انخرط في حربين، احداهما الغائية على الساحة المسيحية عندما كان رئيسا للحكومة المؤقتة، وصهره انخرط في حروب الغاء متعددة وعابرة للطوائف عندما صار رديفا مقيمًا لرئيس الجمهورية، وراح يتصرف كأنه حاضراً بدلاً عن غائب أو فاعل بدلاً عن عاجز… والاثنان، المعلم والتلميذ يتمتعان بخاصية الأنا المتضخمة والسفور في الافصاح والامعان في السعي الى السلطة والتمكن منها ايا تكن الاثمان والتبعات والاكلاف والكوارث! والنتيجة الوحيدة التي لا يختلف اثنان على توصيفها هي ان حرب الالغاء الاولى ألغت مطلقها ونفته، وحروب الإلغاء الثانية الغت صاحبها وهمّشته وزادت في انكشاف خصاله النكدية والكيدية القميئة!

والاثنان يفترضان ويتصرفان على أساس ان لبنان هو سوريا مصغرة بالمعنى السلطوي، وأن الفوز بوحدانية القيادة واحتكار مقوماتها أمر ممكن بل في الواقع واجب لا بد منه! وهذا لعمري ارتكاب لا يليق بغر في لبنان يعرف سطحيات تركيبته وطوائفه وعوائله واحزابه واحزانه وتجاربه… ثم ان هذا شيء كبير لم يخطر على بال احد من قبل! نعم، طمح لبنانيون كثر في العصر الاستقلالي إلى الوحدة مع سوريا أو مع اطار اوسع يضمه ويضمها في رحاب الهلال الخصيب، أو التماهي مع مصر الناصرية أو الانخراط في علاقة وثقى مع العراق البعثي، لكن لم يسجل مرة واحدة أن تنطح سياسي رفيع المستوى الى السعي للعب كل الادوار السلطوية دفعة واحدة، واختزال المناصب في شخصه الكريم او اللئيم، أو حمل لقب الزعيم القائد او الرئيس المنصور او الرئيس الضرورة، او اشهار القول بعد السعي الى الغاء البيوت والعوائل والاحزاب السياسية التاريخية على ما اعلنه عون أخيراً… من حاول ذلك لم يفشخ خطوة واحدة الى الامام بل دفع أغلى الاثمان نتيجة قصوره عن ان يكون سياسيا رفيع المستوى.

وهذا الاعلان الاخير للرئيس عون ثم كلام صهره الذي “تلقف” موقف وزير الخارجية السعودي عن لبنان، مشيدا ومؤيداً ومتحدياً، يدلان في الحقيقة واخواتها على مدى اليأس الذي ضرب سعي الاثنين الى اهدافهما وعلى مقدار الغضب الذي يشعران به جراء فشلهما المتعدد الوجوه والطبقات: من يتشاوف بضرب العائلات والبيوت والاحزاب السياسية يتغافل عن الحال المزرية التي يتخبط بها تياره السياسي والمشاكل العائلية التي لا تخفى على احد! ومن يتذاكى ويتفصحن في تأويل كلام الوزير السعودي يتغافل عن حقيقة انه أول المنبوذين عربياً ودولياً، وأن ألعابه الصغيرة لا تشترى من قريب ولا بعيد في شأن القضايا الكبيرة، وانه هو ومن يمثل اول المستهدفين بأي كلام تقريظي اقليمي او دولي يدعو ويطالب بتصحيح الأوضاع ووقف الانحدار الى الكارثة التامة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً