باب الحارة واغتيال دمشق للمرة الحادية عشرة

الراجح
الراجح

دمشق عاصمة التاريخ والبالغة من العمر أحد عشر ألف سنة. هذا هو عمر سوريا وعاصمتها دمشق، والتي مرّت عليها عهود الحيثيين، الآشوريين، الكلدانيين والآراميين. ونجد لها مكاناً هاماً في الآثار الفرعونية. كما نجد أيضاً مَن حوَّلها إلى ضيعة متخلفة سجنت بباب خشبي عتيق يشبه عقل من أنتج مسلسل “باب الحارة”… لصٌّ سرق التاريخ وجعل دمشق ضيعة سادتُها سائس خيل وحلاق وحولهما حوَش ينتمون إلى مجتمع تسوده عادات لم يعرفها أهل دمشق في كل التاريخ الممتد إلى أحد عشرألف سنة. كل ما نشاهده من تفاصيل في هذا المسلسل هو نتاج عقول متخلفة لم تعرف دمشق يوماً، ولم تكلف نفسها عناء البحث لا في تاريخ المدينة القديم ولا حتى الحديث والمتماشي مع مرحلة التاريخ العائد للمسلسل. لا بد من تذكير متخلفي العقول المنتجة لـ”باب الحارة” أنه في عام ١٩٣٠ انتخبت دمشق ابنها محمد علي العابد رئيساً للجمهورية، أول رئيس بهذا المسمى انتخاباً حراً، وأسقطت صبحي بركات مرشح الفرنسيين. والعابد من عائلات دمشق الأرستقراطية، ويحمل شهادتي دكتوراه الأولى في الهندسة والثانية في القانون الدولي، ويتقن اللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية، والإنكليزية. وهو خريج جامعة السوربون الفرنسية. وكان استقال من منصبه عام ١٩٣٦ لكبر سنه، ليفسح المجال لتداول السلطة للكتلة الوطنية وهاشم الأتاسي.

يجب ألا ننسى أن دمشق عاصمة الحضارة الأموية، عرفت ظاهرة الصالونات الأدبية مثل الرابطة الأدبية سنة ١٩٢٢ وكان على رأسها السيدتان مريانا مراش وماري عجمي. ويذكر التاريخ نضال تلك السيدتين في المجالين السياسي والاجتماعي. كما أسست السيدة زهراء العابد زوجة الرئيس محمد علي العابد رابطة أدبية ضمت رابطة السيدتين أعلاه. وكان ذلك عام ١٩٣٠. ولم يذكر تاريخ دمشق شهرة الروابط النسائية تلك بصناعة اليَبرَق والمحشي، كما نساء باب الحارة وتفاهات حريمها. المنتديات الفكرية، وخاصة النسائية في ذاك الزمان، كانت كثيرة ومتعددة، ومن أهمها جمعية نقطة الحليب، يقظة المرأة الشامية، خريجات دور المعلمات، دوحة الأدب، نساء العرب القوميات، الرابطة الثقافية النسائية والنادي الأدبي النسائي. وهل من الضروري التعداد أكثر ليقتنع متخلفو باب الحارة بالتاريخ الحقيقي لدمشق.

هل يعلم متخلفو باب الحارة أنه في الوقت الذي كان يخلط حلّاقهم الأعشاب ويغليها بالماء الساخن لإنتاج دواء لأحد المرضى، أنتجت دمشق حزب الشعب والحزب الوطني. كما ظهر الحزب الشيوعي. وأنشئ في الزمن عينه معهد الطب الأول في دمشق وبعده مدرسة الحقوق، وبعد دمجهما أُعلِنت الجامعة السورية، وكان ذلك عام ١٩١٩ أي قبل بابهم الخشبي العفن بسنوات وسنوات.

هل قرأ كاتب سيناريو باب الحارة عن تخريج أول دفعة للأطباء عام ١٩٣٠، وكان أشهرهم أول طبيبة سورية وتدعى لوريس ماهر وليس “أبو عصام”، وبعدها وفي عام ١٩٣٦، تخرجت سبع دفعات من الأطباء حيث أنشأت دمشق حوالي أربعمائة عيادة طبية عدا عن الصيادلة والمحامين.

أخيراً هل يعلم لصوص التاريخ هؤلاء أنه في العام ١٩٣٠ كانت تعقد في دمشق مؤتمرات في فنادقها الفاخرة، وأهمها فندق فيكتوريا، الذي عقد فيه مؤتمر نسائي لجمعية المرأة الشرقية. عدا عن انتشار الصحافة والصحف المتعددة بين الأعوام ١٩٣٠ – ١٩٤٠ وكان من أهمها جريدة الشعب، وصحف عديدة، معظمها ساخرة مثل جريدة “حط بالخرج.” وكانت امتداداً لزمن يسبق تاريخ ١٩٣٠ بسنوات. والأرجح كان تأسيسها عام ١٩٠٩. كما أُسست بعدها جريدة “جحا” عام ١٩١١. وكان رئيس تحريرها خير الدين الزركلي، وبعدها “الطبل” عام ١٩٢٧ لصاحبها خليل زقوت. وكرت سبحة الصحف، وكان أبرزها: الخازوق ١٩٢٨، الكرباج، المزاح وغيرها. وكل هذا قبل الباب الخشبي الذي صنعتم منه عقولكم وإنتاجكم، والذي أنتجتموه لتوهمونا أنه وفي سنوات ليست بعيدة عن مرحلة سيطرة حزبكم البعثي على السلطة، كانت دمشق كباب الحارة، وأنتم من صنع حاضرها المجيد وصورتها الراقية. فيا سارقي التاريخ ومزوريه، اعلموا أن سارق التاريخ لا يصنع الحاضر ولن يكون له مكان في المستقبل.

مع كامل الشكر والتقدير للدكتور موسى عباس لما قدمه من معلومات دقيقة حول تاريخ سوريا.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً