حكومة التسوية… سياسة ترقيعية أو أوهام تفاؤلية؟

هيام طوق
هيام طوق

كعادتهم عند أي استحقاق أو اتخاذ أي قرار على المستوى الوطني، ينقسم اللبنانيون بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. وهذا ما ظهر جلياً في المواقف من تشكيل الحكومة التي أتت ولادتها عسيرة بعد أكثر من سنة من التعطيل حيث يرى بعضهم ان وجود الحكومة وعدمها لا يختلفان كثيراً لا بل يصرون على انها لن تحل شيئاً بعد الآن في بلد تتقاذفه الأزمات، ويحتاج إلى قرارات جريئة أو السير في تسويات كبرى لأن حقن المورفين لم تعد ناجعة ومفيدة، وبالتالي حكومة ميقاتي لا تملك القدرة على مجابهة عقبات يتداخل فيها المحلي والدولي، وان الازمة في مكان آخر وأعمق، والمطلوب بعد الانتخابات النيابية عقد مؤتمر وطني جدي يتناول هواجس كل الأطراف ورحيل السلطة التي أوصلت البلاد الى ما هو عليه.

في المقابل، يعول آخرون على حكومة ميقاتي المكونة من 24 وزيراً متخصصا لفرملة الانهيار ومنع استمرار النزيف المالي والاقتصادي والاجتماعي، ومعالجة النقص الخطير في الأدوية والوقود والكهرباء والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة واعادة ترتيب العلاقات مع الدول العربية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي تمهيد الطريق الى التعافي والخروج شيئاً فشيئاً من الوضع الحالي على الرغم من اعترافهم بأن التحديات والعقبات أمامها كبيرة وصعبة، وانها لا تملك عصا سحرية لانتشال “الزير من البير”.

وعقب تشكيل الحكومة، قال رئيس الجمهورية ميشال عون: “سنخرج من جهنّم”، فيما اعتبر الرئيس ميقاتي انه “علينا جميعاً أن نتحمل، وما نطلبه من الركاب شد الأحزمة لنتمكن من الإقلاع سريعا”. وعود وكلام معسول الا ان العبرة تبقى في التنفيذ وسط التساؤل لماذا هذا الانقسام الكبير بين اللبنانيين حول التشكيلة الحكومية وقدرتها على الانقاذ؟ وهل المعارضون يفترون عليها ولم يعرفوا بعد خيرها من شرها؟

حنكش: لمؤتمر يطرح الهواجس

شدد النائب المستقيل الياس حنكش في حديث لـ”لبنان الكبير” على انه “لم تعد تنفع سياسات الترقيع والبنج الذي ستمارسه الحكومة انما هناك مشكلة نظام ومشكلة الناس الموجودين في السلطة. لا يمكن لبنان ان يتطور بوجود هذه السلطة، وبالتالي يجب أن نعقد مؤتمراً وطنياً جدياً، بعد الانتخابات النيابية، يطرح خلاله اللبنانيون هواجسهم بعيداً عن سياسة التذاكي على الدستور والاجتهادات القانونية التي عطلت البلد لسنوات”.

وأشار الى ان “الحكومة فيها شخصيات لا بأس بها على الرغم من تصريحات البعض منهم التي تنذر بالفشل في ادارة وزارته، لكن ليس هذا المهم انما كيفية تشكيل الحكومة التي تألفت من ممثلي الاحزاب الذين أوصلوا البلد الى هذا الوضع”، متسائلاً: “كيف يمكن أن نأمل بإخراج البلد من أزمته من جهات كانت السبب في وصوله الى الانهيار بغض النظر عن الاسماء والشخصيات”.

ورأى ان “سياسة التعطيل والتمرير ما زالت قائمة، وعند أول مفترق خلافي تتكربج الحكومة مع كل النوايا الصافية في الانقاذ وايقاف الانهيار. كان يجب أن تكون الحكومة مستقلة من رأسها الى أعضائها بل رأينا أبشع أنواع المحاصصة، ولا نتوقع الانقاذ الجدي انما تمرير الوقت للوصول الى الانتخابات النيابية”.

فتفت: بحاجة إلى أكثر بكثير

رأى الوزير والنائب السابق أحمد فتفت ان “الانقسام بين اللبنانيين طبيعي اذ ان لدى الناس وجهات نظر مختلفة”، معتبرا انها “حكومة سياسية بامتياز تعبّر عن التوازنات السياسية القائمة في البلد بمعنى آخر عن سيطرة حزب الله والاحتلال الايراني، وبالتالي الموضوع ليس اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا كما يراه البعض انما الموضوع الاساسي سياسي، واذا لم يُحل هذا الموضوع، فكل الباقي في دائرة الأوهام. وأنا أفهم الجهات غير المتفائلة بهذه الحكومة”.

ولفت الى “اننا كنا نأمل في مرحلة معينة تشكيل حكومة مهمة مستقلة وفق المبادرة الفرنسية، لكن كل ذلك سقط مع التشكيلة الحالية اذ تبين ان هناك واقعا سياسيا هو الاقوى وهو المهيمن. المشكلة بالدرجة الاولى سياسية، وهذه الحكومة لن تحلها. انها حكومة تسوية وحكومة الفن الممكن في المرحلة الحالية انما لبنان بحاجة الى أكثر بكثير للخروج من الحفرة الموجود فيها”، متحدثاً عن أهمية دور المجلس النيابي وفق اللعبة الديموقراطية وليس وفق القوة السياسية لمناقشة الامور الاساسية.

حرب: الانقسام طبيعي

الانقسام حول الحكومة في بلد مثل لبنان أمر طبيعي، بحسب الوزير والنائب السابق بطرس حرب، الذي “اعتبر ان لكل طرف رأيه الخاص، فالبعض يرى ان بعض الوزراء لا يلبّون طموحات اللبنانيين انما يعتبرون وجود حكومة أفضل من عدمها. وأطراف آخرون يرون ان الافضل اعطاء فرصة للحكومة لاختبار مدى قدرتها على حل المشاكل. علينا الانتظار للحكم عليها. أنا أؤيد الجهات السياسية التي تقول ان من شكلوا الحكومة هم الذي أوصلوا البلد الى هنا، لكن مع هذا كله، فلننتظر ونعطها بعض الوقت للحكم عليها علّ الرئيس ميقاتي بعلاقاته يجد المخارج لبعض الازمات اذ انه في حال تعاون الخليج العربي معه سيتغير الوضع واذا لم يتعاون معه، فلكل حادث حديث”.

وأيّد حرب الأطراف الذين يعتبرون ان البلد أصبح بحاجة الى مؤتمر وطني للتفاهم على أمور أساسية “لأنه ثبت ان من يتولى رئاسة الجمهورية يجب ان يكون لديه قدرة على التواصل مع جميع الافرقاء، ولا يعطل البلد لفرض رأيه في قضية من هنا وأخرى من هناك”، مشيرا الى انها “حكومة التسوية السياسية، لكن لننتظر إذ لا يجوز التسرع في الحكم عليها من دون أن نغش أنفسنا بأنها ستقوم بالعجائب والغرائب”.

شارك المقال