آلية العقوبات الأوروبية اليوم ولا آمال طالما “حزب الله” المسيطر

رندة تقي الدين

صباح اليوم الاثنين يطلب وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان من جوزف بوريل، الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية في بروكسيل، بدء العمل للضغط على اللبنانيين الذين يعطلون تشكيل الحكومة، عبر انطلاق عمل المجموعة الموكلة البحث في تحديد الأسماء ونوعية العقوبات التي ما زالت غير محددة.

فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي مستاءة من عدم إدراك بعض المسؤولين في لبنان أن بلدهم ينهار وهم لا يبالون بغرقه في البؤس والفقر. وهم أخلّوا بالتزاماتهم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتين غداة انفجار المرفأ في مسعى للمساعدة على إنقاذه وجذب المساعدات الدولية له.

ولكن تحديد أسماء المعطلين ونوعية العقوبات يأخذان وقتاً لأنهما يتطلبان موافقة ٢٧ دولة، ولأن التعطيل سياسي وليس أمراً قانونياً بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

سيبقى سيف احتمال العقوبات الأوروبية على رأس المعطلين في لبنان. ولكن مشكلة لبنان الحقيقية هي “حزب الله” وتبعيته لإيران، فالعقوبات لن تغير نهج السياسيين إذا بقي الحزب ينفذ مصالح إيران في المنطقة.

حين سمع ماكرون بانفجار المرفأ في ٤ آب الماضي قرر فوراً التوجه إلى بيروت طالباً من فريقه الرئاسي أن يجهزوا له بسرعة الزيارة، لأن لفرنسا روابط تاريخية بلبنان تؤمن لها مصالح كبرى في منطقة المتوسط.

وخلال زيارته لبيروت كان ماكرون القائد الأوروبي الوحيد، الذي لم يستثن من اجتماعه مع رؤساء الأحزاب في قصر الصنوبر ممثلاً عن “حزب الله”، لأنه اعتبر أن الحزب يمثل جزءاً من الشعب اللبناني (الشيعة). إلا أن الحزب لم ينفذ التزامه للرئيس الفرنسي، الذي خاطبه في مؤتمره الصحافي الشهير في ٢١ أيلول في قصر الايليزيه، وقال له باستياء أن عليه الاختيار بين أن يبقى منظمة إرهابية أو يكون حزباً سياسياً ممثلاً في البرلمان ويعمل لبلده ولشريحة الشعب التي يمثلها. لكن نهج “حزب الله” وسياسته بعيدان كل البعد عن قناعة ماكرون. فهو حزب تابع لإيران ويعمل لمصلحتها ولسياستها في المنطقة الهادفة إلى الهيمنة بالأسلحة والترهيب والقتل.

وأفقر النظام الإيراني بلده منذ ثورة الخميني، إذ يعاني من عقوبات وضائقة كبيرة لشعبه. والتدخل الإيراني لم يؤدِّ إلا إلى حروب وفقر وبؤس أينما حصل. فقد دخل إلى سوريا لحماية نظام الأسد بواسطة “حزب الله” الذي ضحى بمقاتليه الشباب في سبيل ذلك. تم إنقاذ الأسد وجماعته لكن انهارت سوريا اقتصادياً وسقط مئات ألوف القتلى وهجر وشرد جزء كبير من شعبها.

أما في العراق فساهم قرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالانسحاب من هناك بتعزيز النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد تسلم نوري المالكي رئاسة الوزراء حيث لعب دوراً مماثلاً لدور “حزب الله” في لبنان لخدمة طهران.

أما في اليمن حيث اعتمدت إيران على تدريب “حزب الله” الحوثيين على القتال والأعمال الإرهابية فزاد البلد فقراً وبؤساً.

أينما تدخلت إيران كانت النتيجة كارثة للشعب في البلد الذي دخلت إليه. واليوم لبنان ينهار بشكل سريع. فيما “حزب الله” مرتاح لتعطيل جبران باسيل تشكيل الحكومة، لأنه يدرك أن أي حكومة يتم تشكيلها ستكون مجبرة على القيام بإصلاحات لا يمكن أن يوافق عليها، نظراً إلى أن شروط صندوق النقد الدولي هي الشفافية بالنسبة لإدارة المعابر في لبنان من مرافئ إلى مطار والى حدود. فكيف يحصل ذلك مع حزب يعتمد على تهريب كل شيء إلى “سوريا الأسد”؟ “حزب الله” هو المهيمن في لبنان بسلاحه غير الشرعي، ولن يترك الجيش الشرعي، على الرغم من كل المساعدات الخارجية التي تأتي لتعزيزه، يسيطر على كل الأراضي. وهو يختار المرشح الرئاسي ويفرضه ويناور بانقسامات الطبقة السياسية اللبنانية وطموحات مرشحي الرئاسة والمناصب الوزارية مثلما كان حافظ الأسد يفعل على أساس فرق تسد.

والسؤال اليوم هو كيف تحل مشكلة “حزب الله” في لبنان لأنها المعضلة الأساسية فيه وأساس الكارثة وعدم محاسبة المسوؤلين فيه. فالعقوبات لن تحل المشكلة والحرب كارثة والانتخابات المبكرة قد يتم تزويرها على الطريقة الإيرانية. فالحل الوحيد، وهو غير مطروح حتى الآن، التفاوض بين إدارة بايدن وطهران حول تغيير نهجها في المنطقة وإلا بقيت تحت عقوبات أميركية وأوروبية صارمة. فالتفاوض المقتصر على عودة طهران إلى التزاماتها في الاتفاق النووي كما أراده باراك أوباما غير كاف، لأن خطر دورها في المنطقة يوازي خطر امتلاكها السلاح النووي، إذ تساهم في خراب دول عديدة في طليعتها لبنان.

ولكن هل إدارة بايدن مهتمة بذلك أم أنها ستترك إيران تسرح وتمرح في المنطقة؟ وماذا إذا وافقت على العودة إلى اتفاق نووي ناقص أعطاها إمكانيات مالية هائلة لتعزيز دورها في المنطقة. الرهان المتفائل هو أن بايدن ليس أوباما، ولكن فريقه المفاوض في طليعته روبير مالي من المؤيدين للتطبيع مع إيران من دون شروط قاسية، فقط إذا عادت إلى التزامها الماضي من الاتفاق النووي وهو ما يؤيده القادة الأوروبيون الذين ساهموا في الاتفاق. ففرنسا وبريطانيا وألمانيا يتمنون الإسراع في العودة للتطبيع مع إيران، لأنهم بحاجة إلى المكاسب الاقتصادية من العمل مع هذا البلد ويعتبرون أن إضافة شروط تغيير سياستها في المنطقة في التفاوض يعيق التوصل إلى اتفاق.

والأمل في أن يصمد الرئيس بايدن أمام استعجال شركائه الأوروبيين ويوسع المفاوضات إلى دور إيران في المنطقة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً