لم توفّر جائحة كورونا أسرة في العالم إلا وسرقت منها أحد أعضائها أو أقاربها أو أحبائها. في غمرة التغيرات المتسارعة وعدّاد الوفيات الذي لا يمكن التنبؤ به، ترك الفيروس آثاره على جميع أنحاء العالم من دون استثناء. كيف سلطت التغطية العالمية اليوم الضوء على تغيرات حياة الناس وشكل الأسرة؟ في السطور التالية، وحدة مخيفة وقلق وإعادة تعريف لمفهوم الحداد وتشرذم عائلي.
صحيفة “اندبندنت” البريطانية ربطت الوباء بـ”الوحدة”، وكرست مقالاً يجعل من كورونا بحد ذاتها “جائحة للوحدة” بسبب التغيّرات التي طرأت على حياة الناس. ووفقاً للمقال، تضاف انتكاسات جديدة إلى لائحة الخراب التي ولدها كورونا. “فإلى جانب إغلاق البلاد والخراب الاقتصادي والانهيار الاجتماعي والمجاعة الجماعية (…) في الأشهر الـ 12 الماضية، وبينما تعرض الاقتصاد لضربة، شهدنا بالتوازي تضخماً في الشعور بالوحدة والقلق. لذلك، وجد الكثيرون خلاصاً في القدرة على نقل الحياة إلى الفضاء الإلكتروني”.
“أصبح الإنترنت، بالنسبة للكثيرين المكان الذي يسمح بالتحدث إلى الأصدقاء والعائلة والقيام بالوظائف. وشكل أحد خطوط الدفاع التي سمحت بتحمل البقاء في المنزل والتأكد من فرملة انتشار العدوى وإبقاء عدد الوفيات عند أدنى مستوى ممكن. لكن على الرغم من ذلك، بقيت أعداد الوفيات مرتفعة (…) وعلى الرغم من الامتيازات الواضحة التي جلبها عالم الإنترنت عندما تغير عالمنا بين عشية وضحاها، سنضطر الى المكافحة طويلاً للانتقال إلى العالم الرقمي، مع وجود كثر يفتقرون إلى الوصول الأساسي إلى الإنترنت، وبالتالي يخاطرون بالتعرض للمزيد من الوحدة والعزل”.
أما “الصدمة” فهي المفهوم الذي ركز عليه موقع “باريس نورماندي” الفرنسي في تقرير حول “الحداد في زمن كورونا” حيث “تعيش العائلات حداداً صعباً لا مثيل في ظل العجز عن توديع أحبائها”. ونقل الموقع عن “علماء النفس معاناة كبيرة متأتية، ليس فقط عن صدمة فقدان قريب، وإنما من عدم القدرة على مرافقة الأحباء المصابين بكورونا في فترة احتضارهم ولا حتى بعد موتهم. إنه لأمر مؤلم للغاية بالنسبة للعائلات. وهذه الصدمة تجعل تجربة الحداد أصعب أيضا”. ويسرد المقال أمثلة لعائلات عاشت هذه التجربة “حيث فقدت إحدى العائلات الوالد والوالدة على بعد يومين. وبعد مرور عام بالضبط، لم تختف آثار الصدمة بسبب العجز عن القيام بالوداع وممارسة الحداد بشكل صحيح”.
صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية أضاءت بدورها على تقطيع الجائحة لأوصال العائلات، مع التركيز على مثال من منطقة “هونغ كونغ، حيث يتم فصل العائلات بالقوة”. ووفقاً للمقال الذي نشر على الموقع الإلكتروني للصحيفة، “اعتمدت هونغ كونغ سياسة تقضي بعزل المدن المتضررة وفصل الأهل عن أطفالهم في محاولة لاحتواء الجائحة (…) لقد فصلت أم عن ولديها اللذين يبلغان 1 و 5 سنوات، بعد ثبوت إصابتهما بفيروس كورونا. وارتأت وزارة الصحة إبقاءهما في المستشفى لمدة 14 يومًا. وفي هذه الأثناء، تقرر عزل الوالدين ووضعهما في الحجر الصحي في معسكر صيفي يتم تحويله إلى معسكر منعزل. (التجربة مخيفة لكن الأهل) يحاولون التغلب عليها من خلال وضع ثقتهم في السلطات والإيمان بأن الأطفال سيُعاملون بشكل جيد وأن الممرضات وأطباء الأطفال ذوي الخبرة سيبذلون ما في وسعهم للاهتمام بهم”.
لكن التجربة تترك أثراً كبيراً على الأطفال حيث “يضطرون إلى وداع أهلهم من بعيد قبل أخذهم بعيدًا بسيارة الإسعاف. بالكاد يمتلكون الوقت لكلمات أخيرة وبالكاد تستطيع الأم مناولة هاتف ذكي لابنها الأكبر وإرشاده حول كيفية إجراء مكالمة فيديو (…) يشاهد الأهل أولادهم عبر الشاشة، وهم يبكون وقد تملّكهم الذعر. (…) إنها أسوأ كوابيس الأطفال”.
“لا بد من الانتباه إلى الموجة النفسية التي تجتاح البلاد بسبب كورونا”، بحسب ما حذر بدوره موقع rtbf الإخباري البلجيكي. وفي تحقيق، ركّز على معاناة الأشخاص من “الأفكار السوداء والاكتئاب والشعور بالوحدة. هناك موجة أخرى تجتاح البلاد، إنها الموجة النفسية، بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الأزمة.” وتضرب هذه الموجة بحسب التحقيق الكبار في السن والشباب على حد سواء. بالنسبة للأكبر سناً، “لم تعد الحياة كما في السابق ولا تقضي زيارات الأصدقاء على الفراغ. الحياة مليئة بالمواجهات وليس هناك من أنشطة تمكن من الترويح عن النفس”.
“أما الشباب فيعانون من الحبس ويحاولون التعبير عن الصعوبات التي تجابههم لكنهم ينتهون بالتمرد بسبب القلق الذي يتملكهم (…) لقد تضاعفت أعداد الشباب الذين أدخلوا إلى مراكز العناية وغرف الطوارئ مقارنة بالعام الماضي ومن بين الاضطرابات الآخذة في الازدياد، تأتي اضطرابات الأكل أولاً”.
ويزداد الوضع مأسوية بالنسبة للأطفال حيث تثقل معاناة أهلهم من قدرتهم على التأقلم مع الوضع الجديد. “لا اختلاط وحبس مطول”، نقرأ في التحقيق. “الوضع مخيف. نشهد محاولات للانتحار وغرف الطوارئ ممتلئة بالفعل بمرضى كورونا”.
ختاماً، حاولت “واشنطن بوست” الأمريكية زرع بعض الأمل من خلال تكريس مقالين لـ”التعاضد والتقارب العائلي الذي سمحت به الجائحة مع تواجد جميع أفراد الأسرة داخل المنزل في فترات الإغلاق، واللجوء لإبطاء نمط الحياة للتأقلم مع الوضع الجديد من خلال محاولة ابتكار نشاطات ينخرط فيها الجميع صغاراً وكباراً”.