أموال الـ PCR المخفية… تآمر على الجامعة اللبنانية

حسين زياد منصور

تلفظ الجامعة اللبنانية أنفاسها الأخيرة بانتظار هبة أو مساعدة تنقذها، فلا يمكن وصف حالها سوى بالرجل المريض المقبل على الموت، اضراب واقفال وعدم قدرتها على تأمين رواتب أساتذتها وموظفيها والمصاريف التشغيلية اللازمة.

هل يعقل التسول لدعم جامعة الوطن في حين أن حقها بـ ٥٢ مليون دولار “مهدور”، وهو قادر على انعاشها في ظل الأزمة الحالية؟ وهذه الأموال لقاء المهمة التي كلفت بها لإجراء فحوصات الـ PCR على الحدود البرية وفي مطار رفيق الحريري الدولي.

لا تزال حقوق الجامعة اللبنانية ضائعة من دون ان يأبه المسؤولون لخطورة الموقف، اذ لم يعد بمقدورها الصمود أكثر، والعام الجديد يقترب في حين لم ينته بعد العام الحالي.

المشكلة في امتناع شركات الطيران عن دفع البدلات التي استوفتها من المسافرين. في البداية كانت الجامعة تتقاضى حصتها بموجب شيكات بالدولار حين كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء ٥٠٠٠ ليرة. فيما بعد رفضت تسلّم أي مبلغ مالي عن طريق الشيكات المصرفية.

تنقلت قضية الـ PCR بين ديوان المحاسبة والنيابة العامة المالية حتى حضرت منذ أيام على طاولة لجنة الإدارة والعدل في سبيل الوصول الى حل يفكك عقد هذا الملف.

الأولوية لتحصيل الحقوق

يقول رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان لـ “لبنان الكبير”: “طرح علينا الموضوع كلجنة إدارة وعدل من أجل تحريكه وممارسة دورنا الرقابي، فعلينا أولاً استجماع المعطيات، وتبين وجود قرارين من ديوان المحاسبة بخصوص هذه القضية. نحن الآن في مرحلة استجماع المعطيات لاتخاذ الموقف المناسب، والاستجماع هو على مرحلتين: الأولى هي الاطلاع على قرارات ديوان المحاسبة، والثانية دعوة رئيس ديوان المحاسبة ورئيس الجامعة اللبنانية والمدير العام لطيران الشرق الأوسط محمد الحوت”.

ويضيف: “سنطلب من ديوان المحاسبة نسخة عن الملف وعن القرارات، وبعد الاطلاع عليها سندعو الى اجتماع يضم الأفرقاء المذكورين، من أجل الاستيضاح والاستعلام أكثر عن الموضوع لاتخاذ موقفنا، ومعرفة الخلل، خاصة أن الجامعة اللبنانية تحتاج الى دعمنا في كل الأوقات وهو واجبنا، فكيف في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها؟ هي الآن بحاجة الينا أكثر، الى جانب عدم قدرة اللبناني في هذه الأوقات على تعليم أبنائه سوى في الجامعة اللبنانية”.

ويؤكد أن “للجامعة اللبنانية حقاً ونحن قادرون على دعمها، فلماذا التقصير والاستلشاق وترك الأمور تصل الى هذه المرحلة؟ وستكون المحاسبة موجودة، لكن الأولوية هي لتحصيل حقوق الجامعة”.

الجامعة اللبنانية صاحبة حق، وهي بحاجة ماسة الى هذه الأموال أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن تحصل على حقوقها كافة لتأمين استمراريتها.

الحكاية والأهمية

رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران يوضح أن “الجامعة قامت بعدد من فحوصات الـ PCR في المطار بين الأول من تموز و٣١ كانون الأول ٢٠٢١ وأيضاً حتى ١٠ كانون الثاني ٢٠٢٢، وتقدر حصة الجامعة من هذه الفحوصات بحدود ٥٢ مليون دولار، والاتفاق المعقود كان بين رئاسة الجامعة خلال عهد الرئيس فؤاد أيوب والمديرية العامة للطيران المدني برئاسة فادي الحسن ووزير الصحة في تلك الفترة حمد حسن”.

ويشير الى أن “على شركات الطيران استناداً الى الاتفاق أن تدفع للجامعة اللبنانية عن كل مسافر ٤٥ دولاراً أميركياً، وفي الأساس هي ٥٠ دولاراً ١٠٪ منها لوزارة الصحة و٩٠٪ للجامعة اللبنانية، أي الأموال التي يجب أن تحصلها الجامعة بموجب الاتفاقية توازي ٥٢ مليون دولار”، لافتاً الى أن “شركة MEAG عليها ٤٠ مليون دولار وLAT عليها ١٢ مليون دولار وهما الشركتان التشغيليتان في المطار ويجب دفع هذا المبلغ للجامعة، فهذه الأموال تم تحصيلها فريش من المسافرين وطالبنا بحقنا بالطريقة نفسها، فمن المفترض أن الشركات تقاضت ٥٠ دولاراً عن كل فحص PCR وأضافت هذا المبلغ على سعر التذكرة”.

ويؤكد بدران أن “الاشكال بدأ منذ ١\٧\٢٠٢١ عندما أصرت الشركات على أخذ الأموال من المسافرين بالفريش، فقبل ذلك كان بإمكانك شراء التذكرة عن طريق الشيك، ولكن بعد هذا التاريخ، أصبح الدفع بالدولار إلزامياً. هذه الشركات تريد دفع المبلغ عن طريق الشيكات، لكن ما هي قيمة الشيك اليوم؟ المسافر دفع ٥٠ دولاراً كاش وليس من خلال الشيك لذلك من حقنا الحصول على هذه الأموال كاش وبالفريش، وما طالبنا به هو أن تدفع الشركات الأموال كما قبضتها”، مذكراً بأن “قرارات ديوان المحاسبة كانت واضحة وتجبر الشركات على الدفع بالفريش، وفي حال التمنع يعتبر ذلك اثراء غير مشروع على حساب الجامعة اللبنانية”.

وعن أهمية هذه الأموال بالنسبة الى الجامعة اللبنانية خلال هذه الأوقات العصيبة، يقول بدران: “منذ استلامي منصب رئاسة الجامعة وأنا أطالب بالحصول على هذه الأموال بالفريش، ٥٢ مليون دولار تدعم الجامعة اللبنانية على الأقل لمدة سنتين، أي كنا تمكنا من حمايتها خلال هذه الازمة. اليوم نحن بحاجة على الأقل الى ٣٥ مليون دولار لتأمين الدعم للأستاذ والموظف والطلاب، وعدم وجود هذه المبالغ يعني عدم قدرتنا على القيام بأي شيء، الجامعة محاصرة في هذا الموضوع، شراء المازوت والأوراق والأحبار وصيانة المولدات يدفع بالدولار الفريش وموازنتنا لا تزال بالليرة اللبنانية”.

ويشدد بدران على أن “الجميع من وزراء ونواب مع تحصيل هذه الأموال فريش، ولكن المهم تحصيلها”.

وكانت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة أصدرت قرارات حول هذه الأموال المختفية، طالبةً تحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الفريش لحساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية.

تفسير قانوني

وعن هذا الموضوع، يشرح المحامي جاد طعمة أن “النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة التي أخذت القرار لها سلطة على الإدارات العامة فقط، أي تراقب عمل المؤسسات والإدارات العامة التابعة للدولة ولا سلطة لها على الشركات الخاصة. وبعدما تبين أن أموال الجامعة اللبنانية موجودة في عهدة الشركات الخاصة وليس في عهدة المديرية العامة للطيران المدني ووزارة الصحة، فتح الملف أمام النيابة العامة المالية بهدف اصدار أوامر ملزمة لهذه الشركات لعدم قدرة ديوان المحاسبة على اصدار هكذا قرارات”.

ويضيف: “هناك مال عام مهدور، ومن صلاحية النيابة العامة المالية المطالبة به، فمنذ تحويل الملف لها قبل أشهر، وهو في حالة ترقب ولم يتخذ أي قرار حاسم لمصلحة الجامعة، لأن النائب العام المالي قرر تعيين خبير كي يتمكن من معرفة الوضع المالي بصورة محددة أكثر وهو لا يزال يقوم بمهمته”.

ويشير طعمة الى أن “الشركات الخاصة أضافت قيمة فحوصات الـ PCR الى تذاكر السفر وجنت أموالاً لم تكن لتتمكن من جنيها لو لم يطلب منها إضافة هذه القيمة، ومعظم المقيمين خارج البلاد دفعوها (٥٠ دولاراً) بالدولار الفريش أو الجنيه الاسترليني أو اليورو. وتجدر الاشارة الى أن الميدل ايست قررت بدءاً من ١ تموز ٢٠٢١ ألا تستوفي قيمة التذاكر على سعر منصة ٣٩٠٠ ليرة وعدم قبول الشيكات بل الدولار الفريش فقط”.

ويلفت الى أن “الأموال الموجودة مع الشركات الخاصة هي أموال عمومية عائدة الى الجامعة اللبنانية ويجب عدم التساهل بوجود المال العام في حوزة الشركات الخاصة”.

الأطراف المعنية

وكون وزارتي الأشغال والصحة طرفين في هذا الاتفاق، كان لا بد من الوقوف عند رأيهما والخطوات التي اتخذتاها في هذه القضية. محاولة التواصل مع وزير الأشغال علي حمية على مدار ٣ أيام باءت بالفشل بسبب اجتماعاته الكثيرة وعدم قدرته على الرد لانشغاله بقضايا البلد، مع العلم أن هذه المحاولات لم تهدأ حتى حفظ اسمي أحد مرافقيه الذي دأب على الرد على جميع اتصالاتي، وعلى الرغم من تركي عدة رسائل بضرورة التواصل لأهمية الموضوع لم أتلق أي اجابة.

اما أحد مستشاري الوزير، الذي علم عن القضية بعد تواصلي معه، فكان رده عدم اطلاعه على الموضوع في الوقت الحالي، وسيبلغني بالمعطيات فور عودته الى مكتبه لكن يبدو أنه تناسى.

هذا التهرب ان كان يدل على شيء فانما على خطورة دور وزارة الأشغال العامة وربما تورطها!!

اما المدير العام للطيران المدني فادي الحسن فيؤكد أنه قام بما يتوجب عليه وتابع الموضوع في بدايته وأصدر التعميمات اللازمة، ولم يعد الآن ضمن نطاقه، وكأنه يتهرب أيضاً من الإجابة ويتنصل من المسؤولية.

وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض يوضح أن للوزارة جزءاً من قيمة هذه الأموال وهم متضررون مما يجري، وأن صوتهم كان ولا يزال الى جانب الجامعة اللبنانية.

ويقول: “طالبنا ولا نزال بضرورة إيجاد حل لهذا الملف، ويجب سداد هذه المبالغ ان كان للجامعة أو للوزارة عن طريق الدولة، في جميع الاجتماعات كنا جنباً الى جنب مع الجامعة اللبنانية، وتواصلنا مع ديوان المحاسبة حينها، وحتى الآن نطالب بحل الموضوع وإعادة الحقوق الى أهلها”.

ويشير الى اجتماع سيعقد في الأيام المقبلة وتشارك فيه وزارة الصحة في مجلس النواب بخصوص هذه القضية.

من حق أساتذة الجامعة اللبنانية وموظفيها وطلابها الذين يفوق عددهم الـ ٨٠ ألفاً معرفة من سرق حقوقهم وأخفاها وحرمهم استكمال عامهم الدراسي ودمر جامعتهم أمام أعينهم من دون أن يقدم أحد على مساعدتها، هذه الأموال المحتجزة تعتبر كأوكسجين خلاص للجامعة.

شارك المقال