الانتحال الالكتروني… عقد نفسية مستترة بالاستغلال أو الانتقام

تالا الحريري

دخول التكنولوجيا إلى زاوية كل بيت في أنحاء العالم كافة إلى جانب الحجر الصحي خلال جائحة كورونا والعوامل الأخرى، زادت من استخدام الجميع مواقع التواصل الاجتماعي كما زادت من الحسابات الوهمية، التي تتمثل المسألة الأكثر انتشاراً عنها في الابتزاز أو سرقة البيانات وإختراق الحسابات، لكنها تمددت لتصبح انتحالاً لشخصية وهمية تسعى الى إيقاع شخص آخر في حبها. هذا ما بدأ يشكل خطراً لا سيما أنّ هذا الانتحال لم يعد يقتصر على أيام عدة بل بات يمتد لسنوات وتصدق الضحية أنّ هذا الحساب هو في الحقيقة لفتاة بينما في الواقع قد يكون لشاب والعكس صحيح.

ويضع منتحل الشخصية صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لا تمت اليه بصلة لجذب الطرف الآخر، وحين تتطور العلاقة يسعى الى كسب ثقة الضحية ربما من أجل الحصول على صور يقصد بها تشويه سمعتها أو ابتزازها عبر طلب المال مثلاً أو للانتقام فقط.

كيف يمر هذا النوع من الاحتيال على الضحية؟ في العادة يسعى المنتحل الى الايقاع بمن يعانون من نقص عاطفي أو يؤثرون عليهم من خلال تتبع نمط حياتهم عبر ما ينشرونه على شبكات التواصل الاجتماعي، وحسب موقع WatchList Internet (المعني بحماية المستهلك من الجرائم الالكترونية) فغالباً ما يتظاهر المنتحلون بأنهم أطباء أو جنود أو طيارون.

ومثال على الاحتيال الالكتروني، علاقة لاعب كرة القدم الأميركي مانتي تيو بحبيبته (المزيفة) ليناي كيكوا، وقد أصبح محط سخرية في الصحافة والقنوات التلفزيونية بعد انكشاف الحقيقة.

في العام 2012، كان تيو نجماً رياضياً صاعداً في جامعته وموهبة واعدة في الرابطة الوطنية لكرة القدم الأميركية، وعلى الرغم من أنّه كان يتلقى رسائل من عدد من المعجبات الا أنه لم يكن يهتم بأي منهن باستثناء فتاة واحدة كانت كفيلة بجذب إنتباهه في 11 أيلول من العام نفسه من خلال صورتها الشخصية على “انستغرام”.

استمرت علاقتهما طويلاً، وكان تيو يقول دائماً إنّهما يلتقيان وإنّ خطوبتهما ستعقد قريباً إلى أنّ تم الاعلان عن موت حبيبته بمرض السرطان. ركّزت وسائل الإعلام على هذه القصة العاطفية التي تتمحور حول لاعب كرة قدم تأثّر بخسارة حبيبته.

بعد موتها المزعوم بأربعة أشهر، كشف الصحافيان تيموثي بيرك وجاك ديكي أنها لم تكن موجودة أصلاً، بل إن صورها الرمزية تعود إلى امرأة اسمها ديان أوميرا، وقد نظّمت امرأة اسمها نايا توياسوسوبو هذه العملية كلها، والأغرب من ذلك أن تيو كان يعرف نايا.

بعد انكشاف الحقيقة، لامه الجميع وظنّوا أنّه يكذب ويخدعهم كذلك، لكنه بالفعل لم يكن يعرف أنّ هذه كلّها خدعة بل وقع في فخ الحب بالفعل، الا أنه شعر بالاحراج لأنه لم يقابل حبيبته شخصياً على الرغم من إخباره أفراد عائلته بأنهما التقيا.

وأعاد الفيلم الوثائقي المؤلف من جزءين The Girlfriend Who Didn’t Exist (الحبيبة غير الموجودة)، سرد تلك القصة الغريبة كجزءٍ من سلسلة Untold (قصص غير محكيّة) على شبكة “نتفلكس”، وهو يكشف حقيقة الشخص الذي كان تيو يتواصل معه، اذ تعرّف على المرأة التي ادّعت أنها كيكوا للمرة الأولى عبر “تويتر” في العام 2011، ونشأت بينهما صداقة على شبكة الانترنت.

حين انكشفت الحقيقة، نشر تيو بياناً اعتبر فيه أن “التكلم عن هذا الموضوع محرج جداً، لكني طوّرتُ علاقة عاطفية طويلة الأمد مع امرأة تعرّفتُ عليها عبر الانترنت. لقد نشأت بيننا علاقة كنتُ أعتبرها صادقة وكنا نتواصل بصورة متكرر عبر الإنترنت أو الهاتف، وسرعان ما بدأتُ أهتم بها. من المؤلم والمهين أن أكتشف أنني وقعتُ ضحية مزحة سخيفة وسلسلة من الأكاذيب اللامتناهية”.

يظن البعض أن مسيرة تيو الرياضية تأثرت سلباً بهذه الحادثة، لكنه يُركّز في المقام الأول على التعلّم من تجربته. وهو يقول في الفيلم الوثائقي: “سأتقبّل هذه السخافة كلها، وسأتقبل هذه النكات والسخرية كي أصبح مصدر إلهام لكل من يحتاج إليّ”.

القصة الثانية عندما أقدم محتال على إنتحال شخصية رائد فضاء روسي موجود في محطة الفضاء الدولية، ليتمكن من إقناع امرأة يابانية تبلغ من العمر 65 عاماً بأن لا مال كافياً لديه لشراء تذكرة للعودة إلى الأرض، وذلك من خلال عرض صور الفضاء على تطبيق “انستغرام”. فقامت السيدة بتحويل ما يقارب 4 ملايين ين على خمس دفعات حتى لاحظت في وقت لاحق أنّ كل هذه أكاذيب وأنّه حساب وهمي.

وعن هذه الحالات، أشارت الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “هناك أسباباً نفسية تدفع بعض الأشخاص الى القيام بذلك كونهم منبوذين ولديهم الشخصية الانتقامية وأنّهم غير قادرين على الانتقام بشخصيتهم الحقيقية. فهناك فتيات مثلاً يكون لديهن أساليب احتيالية يسعين من خلالها الى إنشاء حساب وهمي وإستدراج الحبيب، وهذا ما يدل على عدم الثقة بالنفس وعدم وجود تقدير الذات وعلى حياة مليئة بالقلق والرفض، وتلك الصفات تتطور لتصل إلى هذه المرحلة أي الانتحال”.

شارك المقال