فنان تشكيلي سعودي يكسر “التابو” ويبدع بخلطة سحرية

علي السامرائي

تحوّل محل عادي في احدى زوايا مفترق طرق في شارع التحلية الراقي في مدينة جدة السعودية، الى مكان ينبض بالحياة والجمال والفن والابداع حاملاً لوحة كتب عليها بحروف بيض “المدينة للفنون التشكيلية” في مشهد يلفت الأنظار الى التراث الحجازي والسعودي عموماً المغيّب منذ عقود طويلة.

وينهمك الفنان التشكيلي والمصمم البارع احسان برهان بشعره الأشيب ونظارته الطبية وابتسامته المميزة في ترتيب فُرَش الرسم واللوحات وأدوات النحت ومواد تدخل في الألوان، بعدما أنهى عملاً شاقاً لساعات في رسم يعكس مشهداً تراثياً من الحياة اليومية في مدينة جدة برؤية معاصرة الى جانب صناعة منحوت يمثل الخيل العربي بعدما أكمل صنعه من خلطة ذات مكونات يصفها بـ “السحرية” تشابه الخزف.

وتأثر برهان، الذي جاب مناطق مختلفة من المملكة بحكم عمل والده العسكري الى جانب قضائه سنوات في الولايات المتحدة، بالتنوع الثقافي والفكري الذي جعله منفتحاً على الثقافات الأخرى ومتأثراً بصورة كبيرة بالفن التشكيلي العربي الذي وضعه في مقدمة اهتماماته.

ويقول برهان بلهجة حجازية جميلة: “ان تجربة افتتاح مشغل فني في شارع التحلية يمثل مغامرة وفكرة مجنونة… فأنا أعمل مديراً للتصاميم في شركة بنشمارك المشهورة والمختصة بالحفلات الفنية والفعاليات الثقافية وهنا لا بد من التحدي لتحقيق الأحلام”.

وتتدلى من سقف المحل مجسمات مخروطية الشكل تزينها مصابيح صغيرة، بينما الزجاج مغطى برسومات “بورتريه” لملوك تعاقبوا على حكم المملكة العربية السعودية وشخصيات ذات ثقل سياسي كبير الى جانب أشكال مختلفة من الدمى تجسد شخصيات وأزياء تزخر بها الذاكرة الشعبية الحجازية.

وتنوعت المواضيع الفنية التي طرحها برهان في لوحاته الى تصوير البيئة السعودية بحاراتها وأبنيتها القديمة وأشكال السكان وأزيائهم الشعبية التراثية.

ويضيف الفنان برهان: “المشغل يمثل قفزة إلى الأمام فأنا أحب الرسم منذ زمن طويل، ودفعني الى زيادة متابعيّ على حساب التوك توك الى نحو 52 ألف متابع خلال شهر وطلباتهم لي بفتح محل للتدريب وهذا ما حصل”.

ولم يفقد الفنان التشكيلي السعودي تفاؤله بشأن المستقبل وآماله بافتتاح معهد أو كلية للفنون التشكيلية في ظل الانفتاح الواسع الذي تشهده المملكة على مختلف المستويات والأصعدة، وفي مقدمها الثقافة والفنون وفقاً لرؤية 2030 التي يشرف على تطبيقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المحرّك الأساس لعملية التجديد والتحديث في المملكة.

ويشير برهان الى أنه كان يتمنى منذ زمن طويل أن يحظى الفن التشكيلي بالاهتمام “فالإبداع يحقق لك كل شيء وبالأخص التنمية”، موضحاً أن “تشجيع الجيل الجديد على العمل التشكيلي يتطلب جهداً كبيراً، فالمرسم الذي افتتحته أراه بذرة نواة لاقامة معهد للفنون التشكيلية في المملكة العربية السعودية”.

وعمل الفنان برهان في العديد من الأعمال الحرفية البسيطة وعلى مدى أكثر من 26 سنة وتقلب في أعمال أخرى منها تصميم الديكورات. ويلفت الى أن “التحولات الجارية في المملكة العربية السعودية تمتاز بالروعة والاهتمام، فكل ما جرى يعد من الأشياء الجميلة التي تمنح انتعاشاً وحرية فكرية، لكن حتى الآن ليس هناك مهرجان للحرف والفنون اليدوية في المملكة مع أنها دولة كبيرة تتميز كل منطقة فيها بحرفة معينة، ووجود المعهد الملكي للفنون مهم الا أنه لا يزال في بداياته”.

وعلى مدى سنوات كانت السعودية مغلقة تجاه الفن والنحت والمجسمات على خلفية آراء متشددة حاول البعض الترويج لها من أجل ترسيخ صورة نمطية متطرفة، لكن اجراءات القيادة السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد ورؤيتها المتطورة حملت فكراً جديداً بالانفتاح والانخراط في سياسة التحديث بعيداً عن تلك الأفكار التي سادت.

ويؤكد برهان أن “ما نشهده من نقلة في كل مجالات الحياة يمثل دفعة قوية نحو المستقبل تتطلب مواكبة، ففرصة المبدعين من أصحاب المهارات قد حانت ليظهروا أعمالهم الفنية المميزة مما يستلزم التوجه الى أعمال يدوية أو الفنون الجميلة.”

ويضع الفنان السعودي نصب عينيه تحويل رغبات المتابعين له على مواقع التواصل الاجتماعي في اقامة ورش تدريبية متخصصة بالرسم والفنون التشكيلية والحرف اليدوية، الى أرض الواقع في مشغله الذي يقع في موقع متميز في مدينة جدة الى جانب بيع اللوحات والمنحوتات والحرف اليدوية لسد كلفة ايجار المكان التي تتجاوز 70 ألف ريال سعودي سنوياً.

ويبرع برهان في صناعة عجينة سحرية من اعادة تدوير ورق الكرتون ومزجه بمواد خاصة يلجأ من خلالها الى صناعة التماثيل بمختلف أحجامها والمنحوتات الشعبية بشكل يعد بديلاً من الخزف. ويوضح أن “انتشار وباء كورونا والحجر الصحي دفعاني الى التفكير والبحث عن مواد بديلة عن الطين، ومن خلال المتابعة والبحث توصلت الى خامة من اعادة تدوير الورق بطريقة جديدة ذات جودة عالية تضاهي الخزف”.

ولم تكن العجينة السحرية سوى جزء بسيط من قائمة طويلة من الانجازات والفعاليات التي خلدت اسمه ومنها تصميم حي شعبي كامل في غضون شهر ونصف الشهر في أحد مهرجانات مدينة جدة التاريخية.

ويخوض الفنان السعودي تجربة تحدٍ مع نفسه أولاً ومع الآخرين ثانياً في مسيرة نجاح مشروعه الجديد، فهو مؤمن بأنه “اذا لم تكن مجنوناً فلن تكون فناناً”.

شارك المقال