جيمس ويب… يغوص في أعماق الكون ويبهر العالم

حسين زياد منصور

يواصل التلسكوب جيمس ويب إبهار العلماء ومتابعيه منذ اطلاقه في الصيف الماضي، خصوصاً بعد الصور الاستثنائية التي تمكن من التقاطها بدقة غير مسبوقة، واضعاً العلماء أمام الأمل في اكتشافات كبيرة خلال السنوات المقبلة، لا سيما أن دقة إطلاقه تتيح له الاستمرار في العمل لفترة لا تقل عن عشرين عاماً، في الوقت الذي كان فيه أمد الحياة المتوقع المضمون يبلغ عشر سنوات.

خلال الأشهر الماضية قدم العديد من الصور التي أدهشت العلماء من ناحية دقتها وتفاصيلها، اذ أظهر صوراً لكوكب المشتري بتفاصيل دقيقة تساعد في فهم تكوينه الداخلي، فضلاً عن صور في سديم القاعدة لموقع تكون النجوم، وصور أخرى تظهر تموجات الأزرق والأحمر والرمادي في صورة أعمدة الخلق وهي أعمدة دخان ضخمة تنشأ فيها النجوم. ففي تموز الماضي، قدم 5 صور تظهر مجموعة من آلاف المجرات تعود الى ما قبل 13.8 مليار سنة، أي قبل الانفجار العظيم بفترة صغيرة. وخلال الشهر الخامس من المراقبة تمكن العلماء من رصد مجرات عدة اعتبرت من أبعد المجرات التي اكتشفت، وتبين أن أحدها أكثر إشعاعاً مما كان متوقعاً في النظريات العلمية، وقد تكون تشكلت في وقت أبكر من المتوقع، وتبين أنها موجودة بعد الانفجار العظيم بفترة لا تزيد عن 350 مليون سنة.

وسبق أن رصد تلسكوب جيمس ويب “تيتان” أكبر أقمار كوكب زحل، و”أنماط طقس موسمية” ويتبين من خلال ذلك أنه الوحيد في النظام الشمسي الذي يتمتع بمثل هذه ‏الصفات، الى جانب ذلك هو القمر الوحيد المعروف أن له ‏غلافاً جوياً كثيفاً، ورماله مشحونة كهربائياً وبحيراته يتدفق فيها الميثان. ويتميز التلسكوب هذا بخاصية الأشعة تحت الحمراء القادرة على اختراق الضباب الدخاني الذي حجب رؤية الغيوم من قبل بسبب كثافة الضباب. والتقط ويب صورة لمجموعة مجرات تبعد 290 مليون سنة ضوئية عن الأرض وهي لخماسية ستيفان.

ومن ضمن ما يميزه عن تلسكوب هابل، أنه بفضل دقته يمكنه أن يرصد بصورته على شكل مجرات دائرية مذهلة بينما هابل يرصد بصورة أساسية “مجرات غير منتظمة الشكل”. وقدّم التلسكوب أول تأكيد لرصد ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكوكب النجمي Wasp 39-b.

وأشاد العديد من العلماء والاختصاصيين بجيمس ويب، اذ قال ماسيمو ستيافيلي رئيس مهمة “سبايس تلسكوب ساينس إنستيتيوت” انه “يبلي بلاء أفضل من المتوقع من كل النواحي”، مضيفاً: “الأدوات أكثر فعالية، وطريقة الرؤية أكثر دقة واستقراراً”.

ونجحت عملية إطلاق التلسكوب على متن صاروخ من نوع “أريان 5” نهاية العام 2021، وبسبب تعقيداته غير المسبوقة استلزم تضافر جهود 10 آلاف شخص في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا لصنعه، فضلاً عن كلفة تطويره التي بلغت عشرة مليارات دولار عبر ميزانيات خاصة من “ناسا” ووكالة الفضاء الكندية CSA ووكالة الفضاء الأوروبية ESA بمشاركة معهد “ماكس بلانك” لعلم الفلك وجامعة كولونيا والعديد من الشركات الألمانية للاشراف التقني.

وبعد اطلاقه في طريقه نحو موقعه النهائي، نشر التلسكوب البالغ وزنه 6.2 أطنان درعاً واقية من الشمس بطول ملعب كرة مضرب، ثم نشر مرآته الرئيسة الممتدة على قطر 6.5 أمتار، وهو لا يدور حول الأرض بل حول الشمس.

ووضع التلسكوب في مدار على بعد أكثر من مليون كيلومتر ونصف من الأرض، أي حوالي أربعة أضعاف المسافة التي يبعدها القمر عن الأرض، ويسعى العلماء من خلاله الى استكشاف بدايات الكون والغلاف الجوي للكواكب البعيدة. وسيتمكن تلسكوب ويب بذلك من سبْر أعماق الكون بدرجة أكبر مما كان يستطيع تلسكوب هابل السابق ومن الوقوف على أحداث وقعت في أزمنة غابرة أي قبل نحو 13.5 مليار عام.

شارك المقال