رأس السنة في الربيع… لدى الحضارات القديمة

زياد سامي عيتاني

عيد رأس السنة يعتبر واحداً من أقدم الأعياد وأكثرها إنتشاراً وشهرة. والغريب في الأمر، أن قصة هذا اليوم بدأت في حقبة لم تكن السنة الشمسية قد عرفت بعد، وتتمثل الدورة الزمنية التي كانت معروفة آنذاك في الزمن المحصور بين البذور وجني المحاصيل. لذلك إقترن رأس السنة لدى الحضارات القديمة بالتغيرات التي تطرأ على الفصول والطقس، لما لتلك التقلبات من تأثير على مزاج الإنسان.

البابليون أول المحتفلين به:

يرجع أول مهرجان عرفه التاريخ إحتفالاً برأس السنة إلى مدينة بابل، حيث إحتفل البابليون بالعيد في الاعتدال الربيعي، أي أواخر شهر آذار، إذ تبدأ إحتفالاتهم مع بدء الربيع وتستمر أحد عشر يوماً.

يستهل البابليون إحتفالاتهم بالشعائر الدينية الطقسية، عندما يستيقظ الكاهن قبل الفجر بساعتين، فيغتسل في مياه الفرات المقدسة، ويرفع ترنيمة إلى “ماردوك” إله الزراعة الأكبر، متوسلاً إليه أن يكون الموسم الجديد ذا عطاء وفير.

وكانوا يستهلكون الطعام والخمر والأشربة الثقيلة بكثرة، ليس من أجل المتعة فقط، بل لسبب أكثر أهمية، يتمثل في أن تكون كعربون تقدير للإله “ماردوك” الذي أنعم عليهم في حصاد العام المنصرم.

وفي اليوم السادس من الاحتفال تعرض مسرحية المهرج المتنكر تقدمة إلى آلهة الخصب، وتتبع بعرض ضخم ترافقه الموسيقى والرقص وبعض التقاليد التي تبدأ عند المعبد وتنتهي في ضواحي بابل ضمن بناء خاص يدعى “دار السنة الجديدة”.

الرومان حددوه في 1 كانون الثاني:

الرومان كانوا يحتفلون في الخامس والعشرين من آذار، أو “يوم بداية الربيع” بعيد رأس السنة الجديدة. إلا أن الأباطرة ورجال الدولة كانوا يحاولون بإستمرار التلاعب بطول الأشهر والسنين لكي يطيلوا فترة حكمهم المخصصة لهم. ولم يعد تأريخ التقويم يتزامن مع المقاييس الفلكية بحلول العام 153 ق.م. لذا رأى المجلس الروماني الأعلى ضرورة تحديد العديد من المناسبات والأعياد العامة. فأعلن الأول من كانون الثاني بداية للعام الجديد.

الفراعنة:

من أقدم التقاليد التي ظهرت مع الاحتفال بعيد رأس السنة لدى الفراعنة صناعة الكعك والفطائر، والتي إنتقلت بدورها من عيد رأس السنة لتلازم مختلف الأعياد. وكانت الفطائر مع بداية ظهورها في الأعياد تزين بالنقوش والطلاسم والتعاويذ الدينية.

طريقة إحتفال المصريين به كانت تبدأ بخروجهم إلى الحدائق والمتنزهات والحقول، يستمتعون بالورود والرياحين، تاركين وراءهم متاعب حياة العام وهمومه في أيام السنة، والأيام الخمسة المنسية من العام، ومن الحياة. وتستمر إحتفالاتهم بالعيد خلال تلك الأيام الخمسة التي أسقطوها من التاريخ خارج بيوتهم. وكانوا في اليوم الأول يزورون المقابر، حاملين معهم سلال الرحمة (طلعة القرافة) كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم كلما انقضى عام، ورمز لعقيدة الخلود التي آمن بها المصريون القدماء. ثم يقضون بقية الأيام في الاحتفال بالعيد بإقامة حفلات الرقص والموسيقى ومختلف الألعاب والمباريات والسباقات ووسائل الترفيه والتسلية العديدة.

كما شاهد عيد رأس السنة لأول مرة عرض الزهور أو “كرنفال الزهور”، الذي إبتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما صادف الاحتفال بعيد جلوسها على العرش مع عيد رأس السنة. وعندما دخل الفُرس مصر إحتفلوا مع المصريين بعيد رأس السنة وأطلقوا عليه اسم “عيد النيروز” أو “النوروز”، ومعناه باللغة الفارسية “اليوم الجديد”.”.

الكنيسة تحوّله عيداً دينياً:

إستمر الأباطرة في إقامة إحتفالات رأس السنة الجديدة حتى بعد إعتناقهم الديانة المسيحية، من دون أن يتخلوا عن طقوسهم الوثنية، لذلك حضّت الكنيسة الكاثوليكية الناشئة على القضاء على كل المناسبات الوثنية، وأدانت تلك الطقوس وحرمت المسيحيين من المشاركة فيها.

وعندما زاد نفوذها وكثر مؤيدوها، أخذت الكنيسة تؤسس تدريجاً مهرجاناتها الخاصة بها، لكي تتفوق وتتفاخر بها على نظائرها الوثنيين وتسلبهم بريقهم.

مع تلاحق السنوات، إتضح أن التواريخ المختلفة المعتمدة لرأس السنة، تخلق مشكلات في ما يتعلق بمواعيد المناسبات؛ فقد كانت تقع أحداث في غير مواسمها، كما كان يصعب تحديد تواريخ مناسبات أخرى كعيد الفصح، إضافة إلى أخطاء مرتبطة بحسابات السنوات الكبيسة.

وبناء عليه، طرح البابا غريغوري الثالث عشر، تقويماً معدلاً عام 1582، أطلق عليه التقويم الغريغوري أو الميلادي، وإقترح من خلاله إعادة اعتماد الأول من كانون الثاني كبداية للعام الجديد.

وقبلت بعض الدول التقويم بصيغته الجديدة، كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، في حين تلكأت بعض الدول البروتستانتية والأرثوذكسية عن قبوله؛ كبريطانيا ومستعمراتها الأميركية، التي لم تستخدم التقويم الغريغوري حتى العام 1752، وقبله كانت تحتفل بالسنة الجديدة في 25 آذار.

شارك المقال