طوابير 2022… أزمات مفاجئة متنقلة

تالا الحريري

كما العام الماضي لم يخل العام 2022 من الطوابير، بل يمكننا القول انّها زادت أكثر عن العام 2021. بين جشع التجار وغياب المواد وبين خوف الناس من فقدان الموارد، اصطفت الطوابير على المحطات والأفران والصيدليات والمصارف وغيرها… ولا يزال اللبنانيون كعادتهم، عند ارتفاع سعر أي منتج أو انخفاضه يسارعون الى الحصول عليه إمّا نظراً الى سعره المناسب أو خوفاً من إنقطاعه، وهكذا تتشكل الطوابير فجأة وفي دقائق معدودة ليبدأ بعدها مشهد الإذلال.

هذه السنة لم نشهد طوابير على فحوص الـPCR لأنّنا استطعنا مجابهة فيروس كورونا واكتسبنا المناعة المجتمعية وبالتالي إنخفضت الاصابات، ويبدو أنّه الطابور الوحيد الذي غاب عن البلد هذه السنة.

الا أننا لا نزال نشهد طوابير السيارات على محطات البنزين إمّا بسبب إنخفاض سعره وغضب أصحاب المحطات ما يدفعهم الى إقفالها وعدم تسليم الناس البنزين بالسعر الرخيص بحجة الخسارة، وهذا ما حصل منذ أيام عدّة، أو بسبب التداول بخبر عدم تسليم البنزين للمحطات وإنقطاعه، فيسارع الكثيرون الى “تفويل” السيارة تحسباً لأي أمر قد يطرأ، ولأنّ من المعروف أنّ ما من أزمة تبدأ في لبنان وتنتهي بسهولة.

تماماً، هذا ما حصل في الصيدليات ويحصل في المستوصفات أيضاً. فمنذ السنة الماضية ونحن نعيش في قلق إنقطاع الأدوية وحليب الأطفال ونرى طوابير على أبواب الصيدليات للبحث عن الدواء أو الحصول على بديل عنه أو حتى الحصول على “ظرف” من هذا الدواء لـ “تمشاية الحال”. أمّا في موضوع حليب الأطفال، فقد رأينا إصطفاف الأهالي للحصول على عبوة واحدة كل أسبوع وإذ لم تتوافر ذهبوا لشرائها من التجار على سعر السوق السوداء. وبعد أن أصبح أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، لجأوا إلى المستوصفات لتلقي العلاج حيث الكلفة زهيدة، لكن هذا الانتقال الكبير شكل طوابير مزدحمة على أبوابها.

ورؤية الطوابير على الأفران لشراء الخبز، شهدناها مراراً بعد الاعلان عن وجود أزمة طحين في الأفق أو أيضاً بحجة عدم تسلم الأفران الطحين، فيهافت الناس للحصول على الخبز قبل نفاذه، لاسيما وأنه خلال الأزمة لم يكن ممكناً الحصول على أكثر من ربطة واحدة مهما كان عدد أفراد العائلة. وبعد إنقطاع الخبز لجأ المواطنون الى بديل عن الخبز الأبيض العربي، ولكن في الكثير من الأحيان لم يتوافر سوى خبز التنور أو الكعك والكرواسان، والسؤال كيف استطاعت الأفران خبزها وتوفيرها من دون وجود حصة للخبز الأبيض؟

هذه كانت أبرز الطوابير التي تتكرر كل فترة، ولكنها لم تقتصر على الأفران والمحطات والصيدليات وحسب، بل شهدنا كذلك الطوابير على مراكز الأمن العام للحصول على جوازات السفر، والمضحك المبكي أنّ صاحب مقولة “إذا مش عاجبك هاجر” لم يؤمّن للبنانيين هذه الجوازات للهجرة. وقد بدأت الأزمة بين ليلة وضحاها بسبب نفاذ المخزون من الجوازات وعدم توافر التمويل اللازم لشراء كميات جديدة منها، فبات الحصول على جواز سفر يحتاج الى تسجيل اسمك على المنصة لتنتظر عاماً كاملاً أو ربّما أكثر كي يأتي دورك. ولا ينتهي الأمر هنا، ففي اليوم المنتظر تضطر الى الذهاب فجرأً كي تنتظر ربما وقتاً أقل في الطابور.

كذلك طوابير الطوابع التي ظهرت حديثاً، اذ فجأة إختفت من البلد لكنها كانت متوافرة لدى تجار السوق السوداء. وفي حالة الضرورة يمكن شراء طابع الألف بـ70 ألفاً، واذا لم يتوافر الطابع بقيمة الـ10 آلاف ليرة، فيمكن شراء 10 طوابع بقيمة ألف ليرة لوضعها على الشهادة أو المعاملة.

والأهم من ذلك، الطوابير على الوزارات ولا سيما وزارة التربية، التي لم تعد تفتح سوى أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وبين محدودية الاستقبال والمماطلة في إنهاء العمل تصطف الطوابير وتتجدد كل أسبوع. وطبعاً لا يمكن اختتام السنة من دون ذكر الطوابير على المصارف إثر الاقتحامات التي توالت لحصول المواطنين على جزء من ودائعهم، أو بسبب إقفال المصارف أبوابها أو الأعطال الدائمة في ماكينات الصراف الآلي.

في هذا البلد، بات الناس يرضون بالمصيبة تجنباً لمصيبة أكبر، وكما يقول المثل “الكحل ولا العمى”.

شارك المقال