المرأة والسياسة في لبنان

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

تبدو العلاقة بين المرأة اللبنانية والسياسة ضعيفة نسبياً، فعلى الرغم من وجود شريحة من النساء اللواتي يتابعن تفاصيل الشأن السياسي، إلّا أنّ كثيرات لا زلن بعيدات عن خوض غماره والتأثير فيه.

وتشكو المرأة اللبنانية كما كل نساء العالم من ترسيخ صورة نمطية لهنّ تربطهنّ بتدبير الأعمال المنزلية حصراً، أو تعاني من صورة مشوّهة تجعل من المرأة سلعة في يد الرجل ومجرّد وسيلة لاغرائه.

كما يقوم تقسيم الأدوار الراديكالي بين الرجل والمرأة على إعتبار السياسة ميدان الرجل وإختصاصه. وفي الواقع، ما زالت الكثير من العائلات اللبنانية لا تحبذّ إقتحام بناتها مضمار السياسة. ومن هنا، تنبع ضآلة حجم المشاركة السياسية للمرأة ترشّحاً في الانتخابات.

ولا تتحمل القوانين الانتخابية المجحفة وحدها وزر إنحسار مشاركة المرأة الفعلية في البرلمان، لأن الخيارات الفكرية الممنهجة هي المسؤولة عن تكريس القيادة كمهمة للرجل، في حين تتحرك المرأة ضمن هامش بسيط من المبادرة والإنتاج والتفاعل.

ويطرح منح المرأة اللبنانية كوتا إنتخابية تسمح لها بتبوّؤ المقاعد النيابية، وتفرض على الأحزاب توسيع تمثيل النساء فيها، على أن تكون خطوة إنتقالية تحقق تمكين المرأة، ريثما يصبح الإقبال على التصويت لها أكثر نضوجاً وواقعية. وهكذا، تتشجع المرأة على التصويت لنظيراتها، ولا تكتفي بالتصويت للمرشحين الرجال بوصفهم اللاعبين الأساسيين في المشهد، مقابل إحجام المرأة وترددها في المساهمة الفاعلة في الاستحقاقات السياسية التي يحفل بها لبنان.

وفي بلد الأرز، تصل المرأة إلى الندوة البرلمانية في أكثر الأحيان كوريثة لقريبها الشهيد الذي تعرّض للاغتيال، بحيث تكون رسالتها متابعة المسيرة، وهذا لا يعدّ إنتقاصاً من دورها، بل على العكس تأكيد لقدراتها، ولكون السياسة سيرورة متواصلة ومتكاملة. ومن جهة أخرى، تستطيع المرأة إثبات جدارتها، فتحظى بفرصة تمثيل مواطنيها وإن لم تكن تنتمي إلى عائلة سياسية تاريخية.

يساهم التمكين العلمي للمرأة اللبنانية بصورة كبيرة في إعطائها القوة اللازمة لفرض إيقاعها الخاص على حياتها، ولتحصين حضورها في شتّى المجالات. ولكن تطغى أحياناً الاعتبارات الفئوية والولاءات الطائفية، وتحكّم البنى السلطوية الذكورية، فتحدّ كثيراً من إمكانات المرأة في صياغة الأبعاد السياسية لوطنها.

ويختلف حجم المشاركة السياسية وطبيعتها بين كل نائبة وأخرى دخلت إلى المجلس في السنوات المنصرمة. فهناك للأسف من لم تترك أثراً واضحاً، وهناك من أضافت بالفعل طابعاً جدياً ومتألقاً في آن لفكرة إعتلاء المناصب السياسية.

وتزخر التجربة السياسية النسوية في لبنان بطاقات وكفاءات واعدة تتوارى إلى حدّ الآن في البيوت أو في مكاتب هامشية. ولن يتمّ التحوّل السياسي إلا بقناعة المرأة قبل سواها بإحترافها الشأن العام، وإقبالها على خوض النقاشات البنّاءة وصولاً إلى الترشح والفوز وإتقان الأداء السياسي.

وإلى كل امرأة لبنانية نقول: لا يعدّ المنزل مكانك الوحيد، فكل منبر، وساحة، وقاعة، ومسرح مجال مفتوح أمامك. فلا تخافي من التقدم بإتجاه الغد. ومهما حاول البعض إيهامك بأنك لا تستطيعين أو لا تعرفين أو لا تستحقين، فليكن ردّك الساحق بكسر كل القيود حول معصميك، وبرفع صوتك ليسمعه القاصي والداني. ثقي بنفسك، وإنطلقي لتكوني المرأة القيادية التي تبني لبنان مع الرجل بمن دون تهميش أو إقصاء لأي أحد.

شارك المقال