الطلاق حل وليس “عيباً”… بأسباب مبررة!

نور فياض
نور فياض

مطلقة، كلمة بات يكثر استعمالها في وقتنا الحالي، وكانت سابقاً ثقيلة على السمع لأن المجتمع ينبذها ويعتبر الطلاق “عيباً”، فيما الكثيرات يتجنبنه خوفاً من نظرة المجتمع اليهن. كذلك الفتاة غير المتزوجة، عندما تتخطى عمراً معيّناً ينظر اليها المجتمع نظرة شفقة لأنها من دون ارتباط، فيما أخريات يسرعن الى الزواج في سن مبكرة حتى لو لم يكن العريس يتمتع بالصفات التي يطلبنها لارضاء المجتمع. اليوم تغيّرت المفاهيم حول هاتين الظاهرتين اللتين أصبحتا عادة أو موضة لدى النساء، فمنهن من تطلق بسبب معاناة كبيرة، ومنهن من دون وعي كاف أو تريث، ومنهن من تكبرت على الرجال ولم تتزوج، ومنهن من لم يتقدم أحد لخطبتها، اضافة الى الأزمات الاقتصادية التي كانت عائقاً أمام الزواج، ما أوصلنا الى نسبة ٢٦% للطلاق و٨٥% لتأخر الزواج في لبنان.

في السياق، تؤكد أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية أديبة حمدان لموقع “لبنان الكبير”، أنه “لا يمكن قياس النسب بالأرقام حول هاتين الظاهرتين، انما يجب معرفة ماهية المشكلات التي أدت الى ارتفاعها”.

وتشير الى أن “ارتفاع نسبة الطلاق ظاهرة عالمية تعود الى التغيير الأساس في نمط العلاقات بين الرجل والمرأة الذي سيطرح ظواهر جديدة إن كان الطلاق أو تأخر الزواج. في لبنان نلاحظ أن الطلاق مرتبط بالأسباب الاقتصادية التي نشهدها، والأسباب الاجتماعية التي أدت الى استسهال واستيعاب مفهوم الطلاق، الذي كان سابقاً مرعباً وتترتب عليه مشكلة كبيرة للمرأة والرجل. في الماضي كانت المرأة من بيت أهلها الى زوجها الى الموت ولم يكن هناك وجود لخط الرجعة. اليوم، في زمن اختلقت فيه نظرة الطلاق، بات المجتمع يتفهم الأسباب ويقدّر أن هذين الشخصين لا يستطيعان العيش معاً، ويتفهّم وجود خط الرجعة لا سيما في تعدد الأسباب ثقافياً، اجتماعياً، اقتصادياً وثقافياً بمعنى تقبل الفكرة، فالطلاق اليوم يُرى كحل وليس مشكلة وهناك المئات من الأسباب لتبريره”.

وتوضح حمدان أن “الأسباب العقلية، مثل علم المرأة وعملها قدمت لها الأدوات اللازمة لتقبل الفكرة والدخول فيها، فالمرأة اختلفت والمجتمع والمفاهيم والرجل أيضاً، اذاً هذه التغيرات التي تدخل فيها وسائل التواصل الاجتماعي والتفاهم الاجتماعي الذي أغنى العقل سهلت تغيير المفاهيم التي كانت تمنع فكرة الطلاق عند الأهل والمطلقين ومحيطهم”.

وعن مفهوم التأخر في الزواج، تتساءل حمدان: “هل المرأة أو الرجل يقفان عند هذا المفهوم؟ اليوم يتمتع الشباب بإنفتاح كبير وخصوصاً في العلاقات قبل الزواج، في الاختلاط والتفاعل بين الجنسين ما يسمح ببناء نوع من العلاقات مع الآخر التي يمكن أن تخلق اكتفاء بهذا التفاعل وتعرفنا بالجنس الآخر وتؤخر الارتباط، ما يشكل نوعاً من مساحة للتعارف قد تجعل فكرة الارتباط الرسمي مؤجلة”، لافتة الى أن “تأخر سن الزواج نسبة الى الأوضاع الاقتصادية الحادة، صعّب التفكير في الزواج الا للطبقات الميسورة التي يمكن لأحد أفرادها العيش مع أهله بعد الارتباط أو بناء بيت صغير. ونعود الى الذهنية، بحيث أن الشباب انخرط في المجال العلمي والعملي وبات يرى الصعوبات التي يواجهها الزواج، وأدت بالتالي الى حجب هذه الفكرة عنه”.

وتفول: “لا يمكننا أن ننسى أن الزواج أصبح من المستحيلات وفكرة من الصعب تنفيذها، واليوم تأخر سن الزواج لدى الجنسين يمكن اختلاق أعذار له كالدراسة، أو عدم الالتقاء بالشخص المناسب، أو حتى بسبب قلة الماديات. لكن الواقع يفرض نوعاً من الصعوبات التي يستحيل تذليلها كالايجار، كلفة المعيشة، الانجاب… كلها أمور أصبح من المستحيل تلبيتها في مجتمعنا، صحيح أنها كانت موجودة من قبل لكنها تفاقمت في السنوات الأربع الأخيرة”.

وتضيف حمدان: “التمدن والحرية أعطيا الكثير من الفرص، مثل العلاقات خارج الزواج التي أصبحت متداولة وتخلق نوعاً بديلاً من الزواج والارتباط. واذا قرأنا هذا الموضوع من المفهوم الذهني، نتساءل هل هذا الجيل قريب من فكرة الارتباط الذي يتطلب منه تنازلات؟ هل هو قريب من التنازلات؟ والجواب: هذا الجيل يصعّب التنازلات، يصعّب الشراكة، والتعايش مع الآخر ما يزيد المشكلة بالاضافة الى تلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، لذا لا بد من رؤية سمات هذا الجيل الذي يبيّن لنا أن استعداده أو اقدامه على الارتباط أمر ثقيل جداً على ذهنيته وأكثر صعوبة من الموضوع الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن أن يحل. ومن الحلول التي يمكن أن يلجأ اليها الشباب أيضاً التعرف الى أناس من بلد آخر. ونعلم أيضاً أن الزواج الديني فيه من القيود ما يكفي لرفضه”.

وتعتبر أن “الذهنية من الصعب تغييرها، وهي تخلق الرفض الباطني والذاتي قبل الأسباب الخارجة عن ارادة الشباب (الأسباب المادية…) ومن هذه النقطة نرجع الى مفهوم الطلاق الذي بات يحدث عند الميسورين مادياً وهذا يعني أن العقلية والذهنية هما السبب وليس المال. وسابقاً كنا نتقبّل أن يحاسبنا المجتمع أو يغرّمنا، اما اليوم فيفكر الشباب في راحته، وأصبح قراره ذاتياً إن كان بالطلاق أو الزواج ومن دون أي ضغط”، مشددة على أن “المجتمع، الأفكار، العادات تغيّرت وهذا ما يجب أن ننظر اليه والا نكون كلاسيكيين في تحليل نسب الطلاق والزواج ولا نربطهما بالأسباب الاقتصادية والاجتماعية، بل يجب أن نرى كيف أصبحت ذهنيتنا، وأين موقعنا في نقد كل ما يحيط بنا من أفكار سائدة وموروثة أصبحنا لا نكترث بها ونعمل فقط بقناعات هي نتيجة خبرتنا في الحياة وليست من خبرة الآخرين المحيطين بنا”.

يعتبر الزواج عند البعض حلماً منذ الصغر، فالفتاة تحلم بفارس على حصان أبيض تكمل معه ما تبقى من عمرها، الا أن الأزمات جعلت الأحلام مقبرة، وكالعادة للفقير الحصة الكبيرة من كل شيء، بحيث حرم من كل ملذات الحياة سابقاً، واليوم بات الحب محرماً عليه والزواج مستحيلاً.

شارك المقال