رمضان الجنوب… سفرة “عامرة” بتكاتف الخيّرين

نور فياض
نور فياض

من المؤكد أن شهر رمضان الكريم هذه السنة هو الأصعب نظراً الى ما يمر به لبنان وخصوصاً بعدما وصل الدولار الى ما فوق المئة ألف ليرة وحلّقت معه أسعار المواد الغذائية وغيرها، ومن الطبيعي أن تكون التحضيرات له شبه ضئيلة.

عادة، لا يمر هذا الشهر الفضيل من دون زينة تعمّ الشوارع إن كان من فوانيس، اضاءة، مجسمات الهلال وغيرها من الرموز التي تعتبر من طقوس رمضان. لكن هذه الطقوس بدأت تختفي تدريجياً منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، والشوارع قبل أيام من بداية هذا الشهر باتت تفتقد وهج الأضواء، وبريق الفوانيس التي اعتاد عليها المسلمون سابقاً، وكانت البلدات تتنافس على من لديها أفضل زينة.

ولم تقتصر الأزمة على الزينة التي تعتبر من الكماليات وحسب، بل تعدتها الى الأصناف التي كانت تتنوع على سفرة الصائم واليوم أصبحت شبه خالية من الألوان. فكيف سيمرّ هذا الشهر الفضيل على الصائمين جنوباً؟

يؤكد عضو بلدية النبطية صادق اسماعيل لـ “لبنان الكبير” أن “رمضان له طقوس يجب احياؤها، ولكن لا أموال في البلديات، اذ أن الادارات المحلية موازنتها لا تزال على اللبناني وعلى الرغم من ذلك زيّنا جزءاً صغيراً من الشارع وكانت الكلفة ٤٧٥ دولاراً، أما الجزء المتبقي فاتصل أحد الأشخاص ليتكفل به. وتحت خانة المبادرات الفردية، زيّن أصحاب المطاعم الشارع الموازي لهم.”

وفي ما يتعلق بالغلاء وكيفية تحضير الافطار لدى العائلات الفقيرة، يشير اسماعيل الى أن “ما يميّز النبطية تكافل أبنائها وتكاتفهم، اذ أن المغتربين يرسلون الأموال الى البلدية التي تقوم بدورها بتحضير الحصص الغذائية وتوزيعها، كذلك المبرات والجمعيات، كالإمداد وجمعية السيد محمد حسين فضل الله، اضافة الى أن الأرباح التي تجنيها البلدية من السوق التراثية، يعود ريعها الى العائلات الأكثر عوزاً عبر حصص غذائية.”

ويلفت الى أن “هناك عائلات لم تدخل اللحمة الى بيوتها منذ زمن، ولكن في رمضان ستحوي الحصص اللحوم والدجاج ككل سنة، أما من لا يحصلون على الحصص، فيكونون من غير المعروف أنهم فقراء، بمعنى أن لا أحد يعلم أنهم بحاجة اليها وهذا من النادر أن نجده، اذ أن النبطية لا حالات معدمة فيها، وهذا يعود الى أن الأقارب والجيران لا يزالون يتمتعون بحب العطاء والمساعدة، كما أن نواب المنطقة يساهمون في ذلك”.

ويعتبر اسماعيل أن ” شهر رمضان هو امتحان للمرتاحين مادياً، ودعوة لهم الى أن يمدوا يدهم للمحتاجين وهذه من شيم أهل الجنوب. والهدف من رمضان أيضاً أن نشعر مع الانسان المحتاج وخصوصاً الأقربون فهم أولى بالمعروف”، متسائلاً: “ما قيمتي اذا كنت شبعاناً وجاري غير مرتاح؟”. ويقول: “بمد يد العون والتعاون نتجاوز هذه الأزمة. ونتمنى أن يعيد الله شهر رمضان على اللبنانيين كافة بظروف أفضل”.

اما في مدينة صور، فيؤكد عضو البلدية صلاح صبراوي أن “لا زينة حتى الآن في شوارع صور من البلدية، ولكن كالسنوات الفائتة المبادرات الفردية نجمة الاحتفالات، اذ أن أصحاب المحال والمطاعم يزينون الشارع المقابل لهم.”

ويوضح أن “زينة الميلاد كانت مستعملة منذ ١٢ سنة، والشجرة قُدمت من الريجي، ولكن زينة رمضان التي هي عبارة عن أسلاك كهربائية وأضواء لا يمكن استعمالها من سنة الى أخرى نظراً الى سرعة عطبها”، مشيراً الى أن “الحركة التجارية في أول أيام شهر رمضان تكون خجولة وتنشط في أواخره، وبالتالي لا يمكن معرفة إن كان الناس سيقبلون على شراء لوازم رمضان، ولا يمكن قياس الغلاء الا في الفترة اللاحقة”.

وتؤكد المواطنة نهى أن “النبطية من أغلى المدن، اذ أن سعر المنتج يختلف من محل الى آخر ويصل الاختلاف الى حوالي مئة ألف ليرة، أما الخضار فيجلبها التاجر من حسبة صيدا ويبيعها في النبطية بسعر مضاعف وحتى أكثر ثلاث مرات من سعرها الحقيقي، والناس يشترون غير مكترثين”.

وتلفت الى أن “غالبية المواطنين لا تعتمد على الاعاشات، بل على المغتربين من الأقارب او حتى تعتمد على نفسها”، معتبرة أن “الجميع يملك المال وخصوصاً بعدما سعّر أصحاب المهن أتعابهم بالدولار، ومثال على ذلك أخي الذي يعمل في أحد المطاعم، وسيبدأ من هذا الشهر تقاضي راتبه بالدولار. الناس تأقلموا مع هذا الوضع ولو أصبح الدولار يساوي مئتي ألف ليرة وربطة الخبز مئة ألف ليرة فسيبقى الأمر طبيعياً بالنسبة اليهم، فهم يتقاضون رواتبهم بالدولار والجميع في النبطية يعيش بصورة طبيعية.”

تزدان شوارع لبنان بالزينة المتنوعة، والأضواء التي لا تنطفئ ليلاً نهاراً، والسفرة الرمضانية “أطلب وتمنى” فكل الأصناف موجودة عليها، ما يجعل المرء يحتار ماذا سيأكل. والحلويات “اكسترا” والجلاب مليء بالمكسرات وخصوصاً الصنوبر. اما السهرة فلها نكهة خاصة، فاكهة، شوكولا، نرجيلة… والسحور مناقيش وبيتزا. طبعاً هذه ليست حقيقة، بل هي أمل نتمنى أن يعود ويتحقق، ولكن سياسيي لبنان وأزماتهم، نغصوا رمضاننا وجميع مناسباتنا.

شارك المقال