المقاصد… من المؤسسين إلى المؤسسة، منارة علم ومعرفة وتنوير (3)

زياد سامي عيتاني

تأسيس المدارس:

مدارس البنات:

رأت “جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية” في بيروت منذ بداية نشاطها، أنه لا بد من الإهتمام بالفتاة المسلمة وإعدادها إعداداً جيداً، حتى يتسنى لها المشاركة في تكوين جيل مسلم ناضج ومنفتح.

لهذا كان الهم “المقاصدي” الأول العمل على إنشاء مدرسة للبنات المسلمات. وقال حسن بيهم أحد أعضاء الجمعية وأحد المؤسسين: “إن لا أمة بلا رجال، ولا رجال بلا عائلة، ولا عائلة بلا مربٍ، وهذا المربي هو الأم، التي إن لم تكن متعلمة وهي صبية، لا يمكنها أن تربي أولادها، وبالتالي لا تستطيع أن تهذب الأمة”.

وقال الشيخ عبد القادر قباني: “إن سمحتم لي بتحسين التربية ألزمت نفسي لكم بإصلاح أحوال العالم بأسره. وقد صممت الجمعية بتوفيق الله، أن تكون باكورة أعمالها إفتتاح مدرسة للإناث في أقرب وقت، يتعلمن فيها أصول التهذيب والقراءة، وما يمكن تعليمه من أشغال اليد، وقد إستحضرت لها المعلمات، وقريباً إن شاء الله نفتح مكتباً للتعليم فيها. فمن الواجب على أهل الغيرة والحمية إسعاف هذه الجمعية لتتمكن من بلوغ مقاصدها. فنرجو من كل محب لصالح الوطن أن يؤازرها في هذا المشروع”.

ويعد توجه جمعية “المقاصد” نحو تعليم الفتاة المسلمة ثورة بحد ذاتها. فقد لاقت هذه الفكرة إعتراضاً من معظم الأهالي، ومقاومة العلماء والمشايخ، لكن الجمعية لم تكترث للمعترضين ولم تعبأ بالمقاومة، فأسست أول مدرسة للبنات في 5 شوال 1295هـ/20 تشرين أول 1878م.

ومن الأسباب الأخرى التي دعت جمعية “المقاصد” إلى التفكير في افتتاح مدارس للإناث أولاً، هو أن الإرساليات الأجنبية قد أنشأت في وقت مبكر مدارس للإناث، فخوف الجمعية من “تنصير” الفتاة المسلمة وتغريبها، دعاها إلى تعليم الفتاة المسلمة، وإلى فتح مدارس لتعليم الاناث.

وقد ورد في عدد من جريدة “ثمرات الفنون” خبر إفتتاح أول مدرسة على النحو الآتي: “…وفي يوم الثلاثاء الماضي صار إفتتاح مدرسة البنات التي أنشأتها جمعية المقاصد الخيرية في بيروت، والمأمول من أصحاب الغيرة والكمال مؤازرة هذه الجمعية ليمكنها فتح مدرسة للذكور يكون بها الكفاية”.

لم يقتصر الأمر على ورود الخبر في “ثمرات الفنون” بتأسيس المدرسة الأولى للإناث، بل ورد أيضاً في جريدة “لسان الحال”: “في الأسبوع الماضي فتحت مدرسة للبنات الأولى التي أنشأتها جمعية المقاصد الخيرية للطائفة الاسلامية فاجتمعت فيها 150 تلميذة”.

وقبل البدء ببناء المدرسة الثانية للإناث إجتمع بعض وجوه بيروت مع وفد من الجمعية التي أطلعتهم على ما تنوي فعله من فتح مدرسة ثانية للإناث، وقام المجتمعون بدفع مبلغ من المال. وإفتتحت المدرسة الثانية للإناث في شهر جمادى الثاني/ 1296هـ.

وبعد ذلك، قررت الجمعية تقديم كتاب إلى السلطة المحلية تطلب فيه تنفيذ وعدها بإجراء الصيانة اللازمة للمدرسة الثانية للإناث، وقد تقرر تقديم معروض إلى الحكومة المحلية يطلب تنفيذ وعدها بتعمير البيت المتخذ مدرسة ثانية للبنات مع الالتماس بصدور الأمر إلى دائرة الأوقاف كي تعطي مجالاً في الجنينة المجاورة للبيت المذكور تكون ملعباً للأولاد وقت الفرص.

كما تقرر تقديم كتاب ثانٍ إلى الحكومة تطلب فيه الجمعية دفع مبلغ من المال لبناء المدرسة الثانية. وقد شكل والي سوريا مدحت باشا لجنة لدرس وضع جمعية “المقاصد” في بيروت.

وبعد تشكيل لجنة من الوالي لدرس أوقاف بيروت، برئاسة السيد عبد الله أفندي جمال الدين نائب بيروت، قدمت اللجنة تقريرها إلى الوالي تطلب منه إنشاء خمس مدارس للذكور ومدرسة ثانية للإناث، علاوة على التي فتحتها الجمعية وتعيين مواقعها: منها إثنتان سيعيد بناؤهما وإثنتان سيعيد تصليحهما، والخامسة الطابق السفلي من مكتب “الرشدية العسكري” من المحال التي ستصلح فوق بوابة المصلى ملك السيد محمود أفندي إياس.

مدارس الذكور:

بالنسبة الى إفتتاح مدارس الذكور التابعة لـ “المقاصد” فقد تأخر قليلاً عن مدارس الاناث، لأن الجمعية إرتأت إعطاء الأولية للإهتمام بالفتاة المسلمة خوفاً من “تغريبها”، وللأسباب المبينة في بداية هذا الجزء.

* المدرسة الأولى:

وكان إفتتاح مدرسة الذكور الأولى التابعة لجمعية “المقاصد” في 23 ذي الحجة 1296 هـ الموافق 7 كانون الأول 1879م، وأوردت هذا الخبر جريدة “ثمرات الفنون” في عددها الـ 258، على النحو الآتي: “احتفلت جمعية المقاصد الخيرية يوم الأحد الموافق في 23 ذي الحجة 1296 هـ الموافق 7 كانون الأول 1879م بافتتاح مدرسة الذكور الأولى، وقد شرّف هذا الإحتفال حضرة صاحب الأبهة مدحت باشا وسعادة المتصرف الأكرم وصاحبا الفضيلة نائب ومفتي بيروت وجمهور كبير من الطائفة”.

وبعد افتتاح مدرسة الذكور الأولى، الكائنة في سوق البازركان المعروفة بالمحكمة العتيقة التي أنشأت بنيانها الجمعية من مالها الخاص تكون مسماة بالمدرسة الأولى للذكور، إتخذت الجمعية خلال إجتماع هيئتها الإدارية المنعقدة يوم الجمعة 11 رمضان 1296هـ، سلسلة من القرارات لتنظيم العمل فيها، ومنها تعيين المعلمين لها، وأن يكون التعليم فيها مجاناً، وتحديد العمر من سبع سنوات إلى خمس عشرة سنة.

* المدرسة الثانية:

أما بالنسبة الى المدرسة الثانية للذكور فقد كان إفتتاحها في شهر محرم 1297هـ، بناءً لقرار الهيئة الادارية للجمعية المنعقدة الأربعاء 20 ذي الحجة 1296هـ، وجاء في القرار: “بناءً على القرار المعطى ليلة الأربعاء 20 ذي الحجة 1296هـ، قررنا أن يكون إفتتاح المدرسة الثانية للذكور نهار الأحد القادم، وأن يكون موقعها في الغرف التي تستنسبها لجنة المدارس في الطابق الرشدي العسكري، وأن يكون التعليم إبتدائياً إلى أن ترى الجمعية لزوماً لترقية بها تدريجياً، وأن يكون فيها مائة تلميذ فقط، وأن يكون التعليم فيها مجاناً”.

وقبل افتتاح المدرسة الثانية للذكور، وبعد أن تم تحديد مكانها، وخلال جلسة الهيئة الإدارية الجمعة 4 صفر 1297هـ، تقرر:

– أولاً فتح المدرسة الثانية للذكور في الطابق العلوي من المكتب السلطاني.

– ثانياً تعيين الشيخ عمر أفندي البربير معلماً أولاً فيها ورئساً لها.

وإتخذت الجمعية قراراً مهما جداً، وهو الإيعاز إلى رؤوساء المدارس الأربع المحافظة على النظام في ما يتعلق بقضية الضرب.

بافتتاح المدارس الأربع لجمعية “المقاصد”، (إثنتان للإناث واثنتان للذكور)، لم تتوقف الجمعية عن إفتتاح المدارس، أو التفكير في انشاء مدارس جديدة، بحيث باشرت ببناء مدرستين في محلة رأس النبع على أرض إشترتها من مالها مع التصميم على بناء جامع أيضاً في جوارهما، وقامت ببناء جامع في محلة الأشرفية.

ولم تكتفِ جمعية “المقاصد” بفتح مدارس للذكور والإناث فقط، إنما فكرت في إنشاء مدرسة طبية ملكية، تم إفتتاحها في العام 1915م، وإتخذت من مبنى مدرسة الجزويت الطبية الفرنسية مقراً لها.

شارك المقال