أضواء رمضان (٢): أغانيه تضفي البهجة على أجوائه (٢/١)

زياد سامي عيتاني

أغاني رمضان القديمة، التي غناها كبار الفنانين، إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بالشهر المبارك، على مر سنوات طويلة، وعلقت في أذهان الأجيال المتعاقبة، وهي التي تشعر الناس بقدومه، وتشاركهم أفراحهم به، وتضفي أجواءه ونفحاته على كل الأرجاء.

فلا يكتمل المشهد الرمضاني من دون أن تصدح الاذاعات والمحطات التلفزيونية، وقبلاً مكبرات الصوت في الساحات والأسواق بأغاني رمضان، التي على الرغم من أن بعضها يعود إلى أكثر من ستين عاماً، فإنها تبقى بإيقاعاتها ونغماتها في الشوارع والبيوت تعبّر عن بهجة رمضان وفرحته. فقبل حلول شهر الخير، تبدأ المحطات التلفزيونية ببث تلك الأغاني الرمضانية التراثية، تهيئة وإستعداداً وإحتفالاً بقدومه المرتقب والمنتظر، فتطرب النفوس بسماع: “رمضان جانا”، “وحوي يا وحوي”، “مرحب شهر الصوم”، “أهو جه يا ولاد”، وسواها من الأغاني، وصولاً إلى أحدثها “علوا البيارق” و”بيروت يا بيروت”، التي صارت جميعها مرتبطة بهويتنا وثقافتنا وذاكرتنا الرمضانية، وجزءاً لا يتجزأ من روحه ونفحاته وطقوسه، ليفوق عدد هذه الأغاني عدد أيام الشهر الفضيل، وتعتبر أشهر ما قُدم في التاريخ الغنائي خلال زمن الفن الجميل. إذ تحمل كل أغنية شعوراً مختلفاً وأجواء متنوعة مع نفسيات أكثر إختلافاً لأجواء شهر كريم، حتى أن لكل مطرب وأغنية من تلك الأغاني تاريخاً خاصاً.

“وحوي يا وحوي”:

أغنية “وحوي يا وحوي” تعتبر الأقدم في تاريخ أغاني رمضان، وقُدِّمت لأول مرة سنة 1937، بكلمات محمد حلمي المانسترلي وألحان وغناء أحمد عبد القادر، ثم أعيد غناؤها مرة أخرى بكلمات فتحي قورة وألحان أحمد صبرى وغناء هيام يونس في فيلم “قلبي على ولدي” إنتاج سنة 1953، لتغنى للمرة الثالثة والأخيرة سنة 2009 بكلمات نبيل خلف وألحان وليد سعد وغناء محمد منير.

قد تمر عليك كلمات الأغنية مرور الكرام، إلا أنك عندما تتأملها تضبط نفسك متسائلاً عن معنى كلمة “وحوي يا وحوي”، وتنتابك المفاجأة عندما تعلم أن مطلع هذه الأغنية يعود الى العصر الفرعوني. “وحوي يا وحوي إيوحا”… أي “واحوي إيوح” وكانت تعني الترحيب بالملكة الفرعونية “إياح حتب” الملكة المصرية القديمة في نهاية الأسرة السابعة عشرة.

“رمضان جانا”:

رمضان جانا وفرحنا به، بعد غيابه وبقاله زمان.. غنوا وقولوا شهر بطوله،

غنوا وقولوا، أهلا رمضان رمضان جانا.. أهلا رمضان قولوا معانا، أهلا رمضان جانا…”.

سيمفونية “رمضان جانا” لسلطان الطرب الفنان الكبير محمد عبد المطلب، التي تقترن بقدوم الشهر الفضيل، لدرجة أنها تسبق بيان المفتي بالاعلان عن الدخول فيه.

ووصف النقاد أغنية “رمضان جانا” بمثابة “السلام الرسمي” لشهر رمضان، بحيث تشعر فيها حتى لو كنت في القرن الحادي والعشرين، أن هذه الأغنية التي كانت في ثلاثينيات القرن الماضي تعبّر عن أجواء شهر رمضان إلى النهاية.

تمخضت وإنسابت “رمضان جانا” من إمتزاج عبقريتين معاً: عبقرية اللحن الأخّاذ الذي تشد بدايته إليه الأذن شداً لصاحبه محمود الشريف، والعبقرية الثانية هي صوت محمد عبد المطلب الذي تتركز فيه كل جماليات الغناء الشعبي بأسلوبه المتميز.

ربما لم يكن عبد المطلب ليقبل غناء “رمضان جانا” لولا الظروف التي أحاطت به، بحيث كان توقيت الحرب العالمية الثانية سبباً في حالة عامة من الكساد، لذلك إضطرته حاجته إلى المال للقبول بغنائها، خصوصاً وأن معظم “الكازينوهات” قد أقفلت، ولم يعد هناك مجال رزق للفنانين سوى الإذاعة المصرية، فيأتون إليها ليختاروا كلمات المؤلفين، وبما أن أغنية “رمضان جانا” بقيت الوحيدة التى لم يخترها أي فنان، أعجب بها عبد المطلب، وإختارها وسجلها في اليوم نفسه لإحتياجه الى الجنيهات الستة التي تقاضاها عنها، علماً أن تسجيلها كلف عشرين جنيهاً.

وشكّل تصويرها تلفزيونياً (صورت مرتين) في “كليب” عاملاً مكملا لنجاحها الباهر وإنتشارها الواسع، وتحوّلها إلى “أيقونة” سمعية ومرئية لشهر رمضان المبارك.

يتبع: “أهو جه يا ولاد”، “هاتوا الفوانيس يا ولاد، “يا شهر الصيام”.

شارك المقال