طرابلس في رمضان… تُصارع “شرنقة” الفقر!

إسراء ديب
إسراء ديب

من يتجوّل في طرقات طرابلس وأسواقها في الفترة الأخيرة، يلمس حقيقة اهتمام أبناء المدينة بشهر رمضان الكريم وطقوسه بدءاً من يومه الأوّل وصولاً إلى يومه الأخير، على الرّغم من الظروف المادية التي تحول دون تمكّن بعض العائلات من العيش باستقرار هانئ خلال هذا الشهر الفضيل.

وفي وقتٍ تضجّ فيه المدينة بالمواطنين وبالسيارات مع زحمة السير الخانقة في بعض الطرقات الرئيسة منها والفرعية، لا سيما قبل آذان المغرب للبدء بالافطار، يتساءل الكثيرون عن كيفية مواجهة المواطن الطرابلسيّ هذا الغلاء المعيشي الذي يضرب أسعار المواد الغذائية وأبرز المشروبات المرتبطة بهذا الشهر تحديداً كمشروب الخروب، عرق السوس، الجلّاب، التوت، وغيرها، والتي حرمت عائلات عديدة نفسها منها، إذْ باتت تعتبرها من الكماليات، فيما يبقى موضوع إطعام ذويها من الأولويات التي لا يودّ أحدهم أن يُحرم منها في ظلّ لجوء العديد من التجار إلى اعتماد استراتيجية “الفجور” مع تسعيرهم السلع المختلفة بعشوائية، في ضوء ارتفاع الدّولار الذي بات حجّة من لا حجّة له.

وعلى الرّغم من هذه الظروف، ينغمس المواطنون الفرحون برمضان في أجواء دينية تُؤكّد أنّ طرابلس انقلبت “رأساً على عقب” إيجابياً، لتتحوّل إلى المدينة التي لا تنام مع العلم أنّها في معظم أوقات السنة تنام باكراً جداً أيّ قبل حلول الساعة السادسة مساءً حتّى، ما يُشير إلى الحياة التي اخترقت أجواءها في هذه المرحلة، التي كان لا يُخفي طرابلسيّون خشيتهم من حلولها بسبب مسألة الإنفاق التي تتضاعف في هذه الفترة، لكن تبقى مساعدات المغتربين المتمثلة في توزيعهم الأموال، المواد الغذائية، أو طعام الافطار من أبرز الاسهامات التي تدفع المواطن المتذمّر من الوضع المعيشي إلى “تجميد” نار غضبه مؤقتاً بحلول شهر يرون أنّه “مبارك فيه”.

في السياق، يُؤكّد أحد المواطنين الذي تسلم مواد غذائية من إحدى الجمعيات المدعومة لافطار الصائم، أنّ معظم المساعدات بات يأتي من أستراليا خصوصاً وأنّ كلّ عائلة تحدد أفراداً لمساعدتها أحياناً، فيقوم المغتربون بتحديد المبلغ الماليّ المخصّص لإرساله إلى طرف يثقون به لتوزيعه من خلاله، أو عبر اعتماد إحدى الجمعيات أو دعم أحد المطاعم التي تقوم بإعداد الافطار خلال هذه المرحلة.

في الواقع، يمضي بعض الطرابلسيين أيّامهم في هذا الشهر متحلّين بالصبر والحكمة قدر المستطاع، كما يعيش الكثيرون “على بركة الله” في وضعٍ لا يُحسدون عليه أبداً، لكن ما يُمكن رصده أخيراً أنّها المرّة الأولى التي لا “يتأفف” فيها طرابلسيون من غياب الدعم السياسي لهم خلال رمضان، فبعد رصد تحرّكاتهم في الأسواق تحديداً، لا نجد مواطناً أو مواطنة يتحدّثان عن عدم تقديم السياسيين حتّى كرتونة الاعاشة لهم، وهنا يقول أبو عبد الله (72 عاماً) لـ “لبنان الكبير”: “طرابلس منذ أعوام، وتحديداً حينما كانت في وضع مادّي أفضل من الوضع الذي وصلنا إليه، تستذكر رجلاً سياسياً يقوم بتوزيع أفضل المواد الغذائية للفقراء في ذلك الوقت وهو الراحل موريس فاضل الذي كان مبادراً الى إحياء نشاطات اقتصادية، استثمارية وتجارية بدأها من مدينته طرابلس التي تحتاج إلى فرص عمل لكلّ شبانها العاطلين منذ سنوات بلا أيّ جهود تُذكر للنهوض بمستواهم العلمي أو المادي”. ويتساءل: “أيُعقل أنْ تضجّ منذ ساعات ساحة الكورة بالناس عند معرفتهم بخبر توزيع اللحمة فيها من أستراليا؟”، معرباً عن أسفه لأن “اللبنانيين علقوا في شبكة الفقر، الذل، والحرمان بقسوة”.

يبحث الطرابلسيّ عشرات المرات يومياً عن المحال أو البسطات التي تبيع المنتجات بأرخص الأسعار لتوفير ما يُمكنه توفيره. وكان لجأ منذ أعوام الى سوق العطارين الذي غالباً ما يجد فيه البضائع بأسعار لا يُمكن القول عنها إنّها رخيصة، لكنّها بالتأكيد مناسبة جداً أكثر من أيّ سوق آخر. ويقول أبو علي من القبّة وهو أحد رواد هذه السوق لـ “لبنان الكبير”: “تضاعفت الأسعار كلّها في رمضان، في وقتٍ تُسجّل فيه أسعار الخضار والفواكه تراجعاً واضحاً أخيراً، لكن الأسعار عموماً نارية”.

ويتحدّث أبو علي عن أسعار بعض المنتجات الرئيسة وهي الأكثر مبيعاً في رمضان، فيوض أن “سعر كيلو اللوبياء يبلغ 350 ألفاً، كيلو الكوسا بـ 60، 80 أو 90 ألفاً حسب نوعيته، كيلو الحمص (المستخدم في الفتة) 180 ألفاً باب أول، اللبن 80 ألفاً، زيت القلي بـ 875 ألفاً باب أوّل، تنكة زيت الزيتون بـ 80 دولاراً، السمنة كلّ علبة لها سعر ولكن هناك منها بـ 375 ألفاً، حتّى المحارم (المناديل) أصبح سعر الرزمة يتراوح بين 250 و350 ألفاً”.

ويُضيف: “أمّا باقة البقدونس فيصل سعرها إلى 5 آلاف، الخسة بـ 35 ألفاً بعدما كانت بـ 50، باقة النعنع 10 آلاف، البندورة 40 ألفاً، الخيار سعره 60 ألفاً بعدما كان 90، البقلة، الروكا أو الفجل بـ 10 آلاف وكلّ بسطة لها سعر”. وإذا كانت قيمة الافطار قد تأمّنت، فلا يُمكن إغفال تكاليف السحور أيضاً، ولا يخفى على أحد أنّ هناك عائلات تكتفي بكسرة خبز صغيرة وزيتون إحياءً لهذا الطقس الديني الذي أوصى بإقامته النبيّ محمّد لتحمّل مشقّة الصيام الطويل نهاراً بقوله: “تسحّروا فإنّ في السحور بركة”، لكن في مدينة طرابلس يبحث معيل العائلة (أو المعيلة) عن المحال التي تبيع المنتجات ولو كانت بجودة منخفضة لتأمينها.

وبعد البحث عن أبرز المأكولات التي يحتاج اليها الصائم خلال السحور في سوق العطارين تحديداً، إليكم بعض أسعارها التي تُعدّ منخفضة مقارنة بأخرى: “نصف كيلو لبنة 100 ألف، نصف كيلو جبنة 175 ألف، الجبنة (الحروز) بـ 80 ألفاً، أمّا الجبنة المطبوخة من سميدس مثلًا فيبلغ سعرها 350 ألفاً، مرطبان المربى بـ 350 ألفاً، البيضة الواحدة 12 ألفاً، نصف كيلو زعتر 75 ألفاً، كيلو الزيتون بـ 150 ألفاً، كيس الخروب كما عرق السوس بـ 50 ألفاً، برميل التوت أو الجلّاب بـ 400 ألف وهناك بـ 250 ألف بجودة أقلّ وطعم مختلف، ربطة الخبز الوسط بـ 45 ألفاً… أيّ أنّ السحور تتجاوز كلفته المليون ونصف المليون كلّ 3 أيّام تقريباً”.

ومهما بلغت الصعوبات، تتمسّك طرابلس وأهلها دائماً بأيّة فرصة لإعادة النهوض بهذه المدينة وتحديداً في هذا الشهر من السنة، وهو ما يدفع عائلات عدّة إلى الاستعداد لـ “مهرجانات رمضان” التي ستنطلق ابتداءً من الأوّل من نيسان المقبل على مداخل طرابلس الرئيسة، وتتضمّن أجواء ترفيهية وسهرات رمضانية مناسبة للعائلات، وهو ما كان طرحه منذ أيّام رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي أسعد الحريري مع وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري في الوزارة.

شارك المقال