تختلف يوميات شهر رمضان المبارك عن باقي أيام السنة، اذ لها رونق وطعم خاص وايقاع يعيشه الصائم على وقع طقوس اعتاد عليها منذ زمن بعيد. وعلى الرغم من المتعة التي تخلقها، الا أنها تكاد تغيب في كثير من المناطق الجنوببة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أثّرت سلباً على المناسبات كافة.
يؤكد عضو بلدية صيدا مصطفى حجازي لـ “لبنان الكبير” أن “الأزمة الاقتصادية والمالية أثرت من دون شك على الأجواء الرمضانية، لكننا نحاول قدر الامكان ممارسة طقوس هذا الشهر الفضيل، اذ أننا ننسق مع لجنة صيدا المدينة الرمضانية كل الأنشطة، اضافة الى الجمعيات الفاعلة والمساهمين من تجار، لجان وأحياء”.
ويشير حجازي الى أن “الشعائر على الرغم من كل شيء، لا تزال موجودة ما عدا المدفع. بينما المسحراتي لا يزال يتجول في سيارته بين الأحياء ليوقظ الصائمين على السحور. كما تحرص مدينة صيدا على المحافظة على الشعائر الدينية التي تعطي رونقاً لهذا الشهر الفضيل”.
والحال كذلك في مدينة صور حيث لا صوت مدفع، انما صوت المسحراتي فقط يصدح في أرجائها، والأمر نفسه ينسحب على بلدة القعقعية التي لم تتخلَّ عن المسحراتي.
ويعتبر المدفع أحد أهم أركان طقوس رمضان، لكنه جمّد في غالبية القرى باستثناء مدينة النبطية، التي تفتقد الزينة التي اعتاد روادها وأهلها عليها، انما لم تلغِ المدفع، بل زيّن ورتّب ويطلق يومياً للتبشير بحلول الافطار.
على عكس المدن الكبرى، نرى غياباً لبعض الشعائر، وربما جميعها في القرى الصغيرة.
“اشتقنا لصوت المدفع، افتقدنا للّمة الحلوة، ونسينا صوت المسحراتي، ويا نايم وحد الدايم”، تؤكد عبير المواطنة الجنوبية التي تحن الى الشعائر الرمضانية. وتقول لموقع “لبنان الكبير”: “في السابق كنا ننتظر على نار قدوم هذا الشهر الفضيل لما فيه من عادات تضفي البهجة والفرح على قلوبنا، لكن اليوم كل شيء تغيّر ربما الأزمة الاقتصادية هي السبب وراء ذلك أو معدن الناس تغيّر”.
وتشير الى أن “الأحبة منذ ٢٠ عاماً كانوا يملؤون موائد الافطار، وبيوت الجيران كأنها بيت واحد، على عكس هذه الأيام فلا أحد ينظر الى الآخر وحتى لا أحد لديه القدرة المادية على تنويع سفرته واستضافة الصائمين”. وتلفت الى أن “المسحراتي، له حكاية أخرى، اذ كنا ننام عن سابق اصرار لنستيقظ على ايقاع طبلته وصوته القوي حتى نتناول سحورنا الغني بالمناقيش والألبان والأجبان، الا أن هذه الظاهرة تلاشت وباتت تقتصر على صوت مكبرات الجوامع، والمناقيش استبدلت بفضلات الافطار نظراً الى الضيقة الاقتصادية التي نمرّ بها، والمسحراتي أصبح منبهاً يضبط على الهاتف، نسكته في الوقت الذي نشاء، وتحوّل من قارع طبلة الى صوت الشباب (أبناء الجيران) الذين يسهرون في منازلهم لاحياء هذه العادات.”
اما في ما يتعلق بالزينة، فقديماً كانت الشوارع في “عز الليل” تنير درب المواطن، وتكاد تخفي رؤية السماء لكثرتها وتوزعها على طول الشارع، وهذه الظاهرة تلاشت أيضاً وبدت محصورة بالمطاعم وبعض المحال التجارية، اذ أن سعرها غال ولا ميزانية في البلديات، والناس تفضل شراء قوتها اليومي على أن تزيّن منازلها أو أحياءها بفوانيس يبدأ سعرها من ٣ دولارات. اما الانارة فعدا عن سعرها، لا كهرباء لتشغيلها، وبالتالي تحولت الزينة الرمضانية من أساسية الى كماليات صارت حكراً على الأغنياء.
كما أن بعض الشعائر الحديثة مثل افطارات الأحياء التي نشطت في بلدة أنصار في السنوات الماضية، ألغيت هذه السنة نظراً الى الوضع الاقتصادي المرير.
صحيح أن الشعائر تخف في منطقة، وتكثر في أخرى ولكن لا يمكن أن تختفي بصورة نهائية، فهي غير قابلة للإندثار. وعلى الرغم من أنها تقليدية وموروثة منذ قرون وتحمل في طيّاتها المعنى الروحي للشهر الفضيل، لكن الصائم جعلها في آخر اولوياته، لأن تأمين الافطار وتحضيره في هذه الظروف الصعبة يستأثر بكل اهتمامه. ويبقى الأمل في أن يتحسن الوضع الاقتصادي وينعم المواطن براحة البال ليعاود ممارسة الشعائر وما تحمله من معاني الهدوء والسكينة والايمان.