“الكلاج”… نجم الحلويات الرمضانية تاريخياً

حسين زياد منصور

بعد يوم طويل من الصيام، يشعر الصائم برغبات عدة من شرب الماء أو تناول الطعام، وخصوصاً الحلويات التي يشاهدها خلال يومه وقبل الافطار حين يذهب لشرائها طازجة. اقترن الكثير من الحلويات بشهر رمضان الكريم، فلا نجدها الا خلاله وعلى موائد الافطار. وفي هذا الشهر يكثر الطلب على مختلف أنواع الحلويات الرمضانيّة فتزدهر حركة صناعتها، ولعل أبرزها الشعيبيات والمدلوقة والمفروكة وحلاوة الجبن وزنود الست، لكن هذه الحلويات قد نجدها في بعض المحال في الأيام العادية، باستثناء الكلاج، سيد الحلويات الرمضانية، الذي يظهر شهراً واحداً في السنة ويتهافت عليه الناس ليزين موائد افطاراتهم.

وترجع نشأة الحلويات العربية إلى ثقافات مختلفة ومتنوعة، ويعود ذلك الى الدول والحضارات التي عاصرتها بلاد الشام ومصر، منذ العهد الأموي مروراً بالعباسيين والمماليك وصولاً الى العثمانيين، وعلى سبيل المثال عرفت الكنافة بكنافة “معاوية”، والقطائف سميت بذلك لتشابه ملمسها الناعم مع قماش “القطيف”، وبعض هذه الحلويات كان يقدم عند السحور لإطعام الغني والفقير، وأصبحت كأحد المظاهر الرمضانية التي تذكر بالعادات والتقاليد.

فارسي عثماني عربي

وتتضارب الروايات الرسمية والموثوقة حول أصل الكلاج، اذ يرجعه البعض الى الفارسية، من كلمة “كُليجة” ومعناها “القرص الصّغير” أو “حلق الأذن”، وذلك لأنه كان يصنع في قوالب خاصّة مستديرة الشكل لتعطي العجينة الشكل الخاص بها.

أما الأتراك فيرجعون تاريخه الى العثمانيين، وأنه كان يعرف باسم “كل آش” أي حلويات الورد لاستخدام ماء الورد في صنعه، ويذكرون بأنه ظهر عام 1489 بعد طلب السلطان العثماني تقديم حلوى خاصة بشهر رمضان.

وفئة أخرى كانت تسميه تمرية أو “طمرية” لكن التمر لا يدخل في مكوناتها أبداً، وهذه من الحلويات التراثية الفلسطينية، وتسمى تمرية نابلسية، وبعد التطور والتقدم أصبح الكلاج النسخة المعروفة أو المعاصرة من “التمرية”.

حايك: مبدأ الحلويات واحد

المؤرخ شارل حايك يؤكد في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “هذه الحلويات ليست لبنانية ولا عثمانية، بل تطورت في منطقة الشرق الأوسط منذ الحقبة العباسية الى يومنا هذا، وهي تعد مشتركة وتقوم على مبدأ واحد مع بعض الاختلافات”.

وعن التمرية النابلسية، يقول: “هي من التماري، وتشبه الكريب التي تباع حالياً، ويتم قليها في لبنان، فكل هذه الحلويات التي تطورت منذ العهد العباسي والفترة العثمانية أصبحت ارثاً مشتركاً للأعياد الاسلامية والمسيحية”.

المكاري أبو الكلاج اللبناني

يعد الكلاج نجم الحلويات الرمضانية، فهو حلوى خفيفة لذيذة الطعم، مصنوعة عجينتها من السكر والسمن البلدي والطحين وتطوى بشكل رقائق مستطيلة، ويتم حشوها بالقشطة المستخرجة من الحليب الطازج والسميد وماء الورد ثم تقلى بالسمن البلدي.

ويشير أحد أصحاب محال الحلويات، وينادونه في المحل بـ “الحاج” الى أنه كان يعد عجينة الكلاج، اما الآن فصارت متوافرة في الأسواق ويتم الاكتفاء بصناعة الحشوة. وتتسابق الناس على شرائه مع اقتراب موعد الافطار، حتى أنه أصبح موروثاً وتقليداً لدى اللبنانيين وخصوصاً البيارتة.

ويقول: “سأدلك على أفضل من صنع الكلاج، هو المكاري، الوحيد الذي تمكن من صناعته بجودة عالية، ولم يقل سره لأحد، مع العلم أن الكثير من المحال حاولت تقليده، لكنها فشلت”.

ويضيف: “في الستينيات ابتكر المكاري هذه الرقائق، وكانت جودتها مميزة جداً، خصوصاً بعد مقارنتها بالرقائق التي كنا نستوردها من سوريا، وذلك من عدة جوانب، إن كان لناحية الجودة أو الكميات المنتجة. هذا الكلام ليس من عندي، بل بشهادة جميع محال صناعة الحلويات فهو أبو الكلاج اللبناني، ولا يزال مصنعه موجوداً الى يومنا هذا وهو المصدر الوحيد لعجينة الكلاج، والجميع يشترونها من عنده ويحشونها في محالهم”.

ويلفت “الحاج” الى أن البعض يرجع أصول الكلاج الى العثمانيين، لكنه يؤكد أن الكلاج اللبناني مختلف عن التركي من حيث المكونات والشكل، موضحاً أن الكلاج اللبناني كان يسمى بـ “التمرية النابلسية” وهي حلوى تراثية، وكان يصنع في صيدا القديمة، لكن مع تغير الأيام والأزمان والتطور تحول الاسم من التمرية الى الكلاج.

شارك المقال