ثورة الدم مرتقبة… وسمعان بالضيعة

راما الجراح

انحلال اقتصادي ومالي تشهده البلاد، لا مبادرات واضحة لحلول قريبة لإنقاذ ما تبقى من لبنان، والأزمة الحكومية تتمدد، فهل اقترب الانفجار الكبير وزمن الفوضى؟.

مشهد قطع الطرقات ليلاً عاد إلى مختلف المناطق اعتراضاً على الأوضاع الكارثية التي يعيشها اللبنانيون، فهل سيعود الثوار إلى الساحات والطرقات وماذا لو جرى قمعهم من جديد فهل الثورة ستكلف لبنان الدماء حتى تنجح ويحصل التغيير المطلوب؟

مصادر سياسية تؤكد “أهمية حصول تدخلات سياسية قادرة على إنهاء الأزمة الحكومية وإلا نحن على حافة الانفجار الاجتماعي الكبير وما يحمله من تداعيات خطيرة ومخيفة، وتشير المصادر نفسها الى أن الشعب اللبناني يدفع ثمن لعبة توزيع الأدوار بين العهد وحليفه وأصبحنا على مشارف النهاية”.

الأمور سيئة

بعد دخول لبنان مرحلة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي، أصبح اللبنانيون أمام حائط مسدود في ظل غياب أي خطة واضحة للخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة، وإذا كان هناك فئة لا تزال صامدة لتأمين لقمة العيش، فالقسم الأكبر من الشعب اللبناني أصبح يُصنف ضمن مستوى الفقر وحتى تحت خط الفقر، ويقول مدير تحرير موقع مناطق. نت الأستاذ خالد صالح لــ”لبنان الكبير”: “لا شك أننا بلغنا درجة من التردّي ليست مسبوقة، والأمور تنذر بالأسوأ نتيجة غياب أي رؤية تهدف للمعالجة، والواقع الاجتماعي الذي نعهده آخذ في التعقيد نتيجة عوامل ضاغطة أسهمت في بلوغنا هذا المنحى من الأزمة التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار”.

ويضيف: “فإلى الأزمة السياسية التي أصبحت معروفة وواضحة المعالم لناحية الجهة التي تعرقل وتضرب المبادرات بتعنت فاضح، بدأت الأزمة المعيشية الخانقة تهدد بانفجار اجتماعي شامل قد يذهب بما تبقّى من كيان لبنان، ولائحة الأزمات تطول بدءًا من الغلاء المخيف الذي طاول المواد الأساسية وصولاً إلى الدواء الذي بدأ يختفي من الصيدليات، ما يضع شريحة من اللبنانيين في مهب الريح خصوصًا أصحاب الأمراض المزمنة، مروراً بأزمة المحروقات وتهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي وتآكل الرواتب لدرجة فقدانها لقيمتها الشرائية”.

بين العصيان المدني والثورة

وعن شكل الانفجار يقول: “كل هذا يشكل سلة من المسببات تهدد المجتمع اللبناني وتضعه على حافة الانفجار، أما شكل هذا الانفجار فليس واضحاً حتى اللحظة، هل سيأخذ شكل العصيان المدني أو الإضرابات والاعتصامات أو ثورة تأكل الأخضر واليابس، كل هذا من الممكن تفاديه في حال استجاب أرباب التعطيل وسهلوا ولادة حكومة المهمة برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي يبذل جهوداً جبارة في سبيل استباق الأمور من خلال تواصله مع الدول المعنية والمانحة بغية وقف الانهيار أولاً، ثم العمل بجدية للشروع في حزمة الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي لوضع البلاد على سكة الإنقاذ، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود”.

بيطار: المواطن سيأخذ حقه بيده

وترى رئيس قسم العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة داليدا بيطار “دخلنا في مراحل الانفجار الاجتماعي الذي بدأنا نراه ونسمع صداه في العديد من المناطق اللبنانية نتيجة الضغط الاجتماعي ووصول المواطن اللبناني إلى حائط مسدود، بالإضافة إلى عدم ثقته بالسلطة لتأمين حاجاته، فلم يتركوا حلاً له إلا “ياخد حقه بإيدو” وكأن الأمر أصبح مباحاً”.

وتشير الى أن “السلوكيات التي ظهرت في مجتمعنا مؤخراً لم تكن موجودة، فالعنف ليس من ثقافتنا، وكان المواطن اللبناني يتقبل الآخر ومنفتحاً على الجميع، ومرّ عليه العديد من الحضارات والثقافات التي من المفترض أنه تعلّم منها، فنسب حالات الانتحار إلى تزايد مخيف بفعل الضائقة الاقتصادية، والذي أوصلنا إلى ما نحن عليه عدة أمور منها النزوح السوري الذي حمّل الوضع اللبناني ضغوطاً زائدة نتيجة السياسات الخاطئة التي مارستها السلطات اللبنانية وبالتالي لم تستطع تأمين أي مساعدة للبنانيين من جميع النواحي، من جهة أخرى النازح السوري يستفيد من بطاقات مساعدات من المنظمات الدولية حتى باتت أحواله اليوم أفضل بكثير من أحوال المواطن اللبناني، وهذا الموضوع أدّى إلى خلق نقمه تجاه الجميع”.

تهميش وأزمات متلاحقة

أما في ما يخص الوضع في البقاع بشكل خاص تقول: “البقاع مهمش بشكل كبير نتيجة السياسات الاجتماعية السابقة، فإننا نفتقد للمشاريع الخاصة والخدمات بالإضافة إلى اللامركزية، فعلى سبيل المثال أي معاملة رسمية نضطر للنزول إلى بيروت لإتمامها، وهذه الساسيات على المدى الطويل أدت إلى عدم صمود المجتمع البقاعي بالأخص لأنه يعاني من شح في الموارد التي تجعله لا يستمر حتى بالقطاع الزراعي الذي يؤمن لقمة عيشه بشكل أساسي. بالإضافة إلى صعوبة أحوال طلاب الجامعات مثلاً، الذين يقطعون مسافات طويلة من الهرمل وبعلبك والبقاع الغربي ويتكلفون على المواصلات في هذه الأوضاع الصعبة وانقطاع مادة البنزين وانهيار العملة، نحن أمام أزمة كبيرة أقله يمكن أن تولد انفجاراً كبيراً لا تُحمد عقباه”.

جشع التجار وطمع الربح السريع

أما عن جشع التجار، تشير بيطار إلى أنه “وصل التجار لمرحلة الجشع، زاد طمعهم بالربح السريع، وقد قاموا برفع أسعار السلع التي كانت على سعر صرف الـ ١٥٠٠ بشكل تلقائي إلى الـ ١٠ آلاف وأكثر بحجة أنهم يريدون استيراد أو شراء بضاعتهم على سعر صرف السوق السوداء، لكنهم كانوا يرفعون الأسعار بطريقة خيالية، حتى إن هناك كميات كبيرة من السلع التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء يتم بيعها مثلها مثل غيرها من السلع مع العلم عادة هكذا سلع يتم تخفيض سعرها ليتم بيعها بشكل أسرع، كما أنه لم يكن هناك رقابة صحيحة على السلع المدعومة. فالعديد من التجار كانوا يبيعون المدعوم بسعر الصرف وهذا فساد علني وليست تجارة، بمعنى آخر لم نشعر ببعض ولم نتضامن مع بعض في أصعب ظروف التي تمر بها البلاد وهذا سلوك اجتماعي لم نراع فيه أي معايير الإنسانية، فنحن نفتقد اليوم للمسؤولية الاجتماعية لأنها ضرورية دائماً في السّلم والأزمات”.

سلوكيات غريبة وفقدان الأمن الاجتماعي

وبالنسبة لإيجاد حلول جذرية للأزمة تقول: “من دون حل جذري سنرى سلوكيات كثيرة وغريبة لم نعتد عليها من قبل وأبرزها فقدان الأمن الاجتماعي، وأتأسف على القول إن الحل بعيد جداً، لأن لبنان كعادته مرتبط بالسياسات الدولية وبأجندات خارجية، وفي ظل كل هذا التخبط يجب أن نسعى إلى الصمود، فمن الضروري أن تعمل الوزارات المعنية والموجودة اليوم بحكم الواقع الذي نعيشه على تسهيل الأمور المعيشية وتنظيم البطاقة التمويلية والعمل على إقرارها بطريقة عادلة تطال جميع العائلات الفقيرة للحد من التدهور الاجتماعي، فالحل لا يأتي من جهة واحدة “وإيد وحدة ما بتزقف”، يجب نشر الوعي المجتمعي والمسؤولية المجتمعية”.

شارك المقال