الأمل والعمل في وقت الأزمات

السيد محمد علي الحسيني

قال الطغرائي قديماً في أجمل ما قيل عن الأمل: “أعلل النفس بالآمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”، ومن هنا نؤكد أن دوام الحال من المحال وهذه هي سنة الحياة، وأن ما يمر به لبنان لا شك في أنه مرحلة صعبة للغاية ولكن لا ينبغي أن نشعر بالإحباط ونفقد الأمل في شروق الشمس، وفي عودة الربيع، لأن الأيام الشديدة لا بد من أن يأتي بعدها الفرج “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، ولا ينبغي أن يبقى الإنسان أسير هذه الأزمات بل يجب أن يتحرك لأنه بالعمل والأمل نتخطى الصعاب.

دور الأمل في تخطي مدلهمات الحياة

لنا جميعاً أن نتصور الحياة من دون جرعة الأمل كيف ستكون، بل إنه عصب الاستمرارية في الحياة وعدم الخضوع للأحزان والصعاب، وإن الإسلام حث على أهمية التحلي بحسن الظن بالله، وعدم القنوط، ومثال ذلك ما جاء في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، بعد سنوات من الحرمان من الذرية فجاءت بشارة الملائكة له بعد طول صبر وعدم انقطاع الرجاء: “قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة الله إلا الضالون”، فالأمل يجعلنا نؤمن بأن الفرج لا شك آتٍ في الوقت المناسب بتقدير من أحكم الحاكمين، ولا ريب أن وصية الأنبياء دائماً كانت تحث على عدم اليأس كقول يعقوب عليه السلام لبنيه: “يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”. فالشعور باليأس هو حالة نفسية خطيرة توقع الإنسان في اليأس من الحياة الذي قد يدفعه إلى ارتكاب المهلكات، لذلك علينا أن نتمسك بالأمل والتفاؤل بالغد مهما كانت المدلهمات، وكما قال ابن القيم: “للحياة حدان: أحدهما الأمل، والآخر الأجل، فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها”.

العمل سبيل لتذليل الصعاب

لا شيء يمكن أن يتغير من دون حركة وعمل إيجابي، وما التحديات والظروف القاسية التي يمر بها لبنان إلا مرحلة مؤقتة وستمر مر السحاب ولكن يجب أن نعلم جميعاً أن تحسين هذه الظروف لا يكون بالجلوس والمراقبة، ومشاهدة سقوط هذا البلد الذي لطالما كان قبلة السواح وهام بحبه الشعراء والأدباء، بل إن المسؤولية كبيرة بضرورة العمل والاجتهاد إلى جانب الأمل الذي تحدثنا عنه آنفاً، “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، فالتغيير يبدأ وينطلق من الأفراد في حد ذاتهم بالموازاة مع العمل المؤسساتي والجماعي للعمل على محاربة الفساد وإصلاح ما يجب إصلاحه “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”. صحيح أن التحديات صعبة ولكن بالعمل والأمل نتخطى هذه الأزمات ونتعلم منها ونبني من جديد دولة قوية مقتدرة وتجارب الدول والمجتمعات التي صنعت المعجزات كثيرة، ونأمل أن يصنع اللبنانيون المعجزة ويحققوها بفضل إيمانهم وصبرهم واجتهادهم وتضحياتهم التي ستكتب في التاريخ بحبر من ذهب.


* أمين عام المجلس الاسلامي العربي

شارك المقال