ينتظر الجميع فصل الصيف بلهفة كي يمارسوا هواية السباحة في البحر، فيتهافتون على الشواطئ التي تصبح مكتظة بالناس والسياح والمغتربين من مختلف الأعمار طيلة أشهر هذا الموسم، منهم من يمارس هواية الغطس، أو القفز من المرتفعات، وآخرون يلجؤون الى الاستمتاع بمياه البحر وقضاء الوقت مع العائلة والأولاد. لكن يبقى الحذر ضرورياً جدّاً من الغرق، فكما يقال “البحر غدار”، وفي بلدان أخرى يكون الحذر من أسماك القرش.
إحصاءات منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن أكثر من 236 ألف شخص يلقون حتفهم غرقاً سنوياً في أنحاء العالم. ويعد الغرق السبب الرئيس لوفاة الأطفال، ومن تتراوح أعمارهم ما بين عام و24 عاماً على مستوى العالم، كما أنه ثالث سبب رئيس للوفيات غير المتعمدة في جميع أنحاء العالم، أي الناجمة عن الاصابات.
منذ فترة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة الشاب علي حسين عبد الله الذي اختفى ليومين أثناء ممارسته السباحة في الروشة ليتبين فيما بعد أنّه غرق إثر مقاومته التيار وعثر على جثته عائمة في البحر. أما قصة غرق طفل يبلغ من العمر 8 سنوات أثناء قضائه عطلة الأسبوع مع والدته في أحد المسابح النسائية، فمختلفة، اذ لم يغرق في البحر أو في بركة السباحة، ولكن بعد خروجه من الماء بدأت تظهر عليه نوبة اختناق وما لبث أن توفى، وهذا ما يسمى بـ “الغرق الجاف”.
ما هو الغرق الجاف؟
حسب healthline يمكن أن يحدث الغرق الجاف بعد السباحة عن طريق دخول الماء عبر الأنف أو الفم ويمكن أن يعوق عضلات القصبة الهوائية ويمنعها من حماية الرئتين ما يؤدي إلى الوفاة في وقت لاحق. يحدث الغرق الجاف بصورة أكثر عند الأطفال، وهذه الحالة تحتاج إلى تدخل فوري لأن أعراضه تظهر في أقل من ساعة بعد ابتلاع الماء. ومن عوارضه السعال، ألم في الصدر، صعوبة في التنفس أو التحدث والنعاس، إذ يجب مراقبة الأطفال أثناء ممارستهم السباحة بوجود منقذ وعدم الابتعاد عنهم. ويكمن العلاج في المساعدة الطبية الطارئة بحيث يقوم فريق الانقاذ بانعاش الطفل في حال أغمي عليه وينقل إلى المستشفى في حال ساءت حالته، والقيام بأشعة سينية لصدره وتقويم حالته للتأكد من عدم وجود الماء في الرئتين.
تدخل المنقذين بالاسعافات الأولية
أكد أحد العاملين في الانقاذ في الشواطئ الشعبية أنّ “عملنا صعب جدّاً، اذ يقع على عاتقنا إنقاذ أرواح الناس. نجلس في مكان عال يعني أعلى من نظر الناس على الشواطئ ليكون نظرنا على امتداد البحر كلّه قدر الامكان، لكن يفضّل دائماً أن لا يبتعد الأشخاص عن الشاطئ كثيراً وعن المنقذ خصوصاً الأطفال. كما يتوجب على أهلهم البقاء إلى جانبهم لأنّ الطفل يمكن أن يغافلهم”.
كما نصح بـ “ارتداء ملابس سباحة ذو ألوان فاقعة، خصوصاً للأطفال، من أجل تمييزهم وسط الماء أو تحته وأن لا يرتدوا اللون الأزرق بكل درجاته لأنّه يتماشى مع لون البحر ويصبح من الصعب تمييز الطفل عند الغرق”.
وعن عملية التدخل، قال: “نحن مدربون ومجهزون للتدخل الفوري، كما يمكننا القيام بالاسعافات الأولية، لكن بعد تدخلنا يجب أن يتدخل فريق طبي خصوصاً إذا ابتلع الشخص الكثير من الماء وساءت حالته”.
ارشادات السباحة الآمنة
وأوضح رئيس وحدة الانقاذ البحري في الجية المدرب محمد مزهر في حديث لـ”لبنان الكبير”، أنّ “جميع المسابح اللبنانية فيها مراقبون منقذون، ويجب السباحة دائماً بالقرب منهم، وأن يسأل الشخص عن طبيعة الأرض والبحر وأخذ النصيحة من المنقذين عن مكان السباحة”، مشيراً إلى أنّ “هناك أشخاصاً يتجهون إلى شواطئ عادية غير الشواطئ الشعبية ويقعون في التيار، وهو موجود في كل الفصول وينشأ بين جهتين من الموج، إذ يظن الناس أن عدم وجوده يعني مكاناً هادئاً وآمناً ولكن هناك يقع التيار. وعلى الشخص إذا وقع في التيار أن يرخي نفسه، يستلقي على ظهره ويتنفس حتى ينتهي التيار ثم يخرج بصورة جانبية من البحر، فمسافة التيار 40 – 50 متراً كحد أقصى”.
أسباب الغرق والشائعات حوله
هناك بعض المفاهيم الخاطئة بشأن الغرق، وهذا ما أكده نائب رئيس قطاع الانقاذ المائي في بافاريا في ألمانيا بنجامين تايتش، الذي نفى الشائعات التي تدور حول أنّ الشخص الذي يغرق سوف يتمكن من إثارة الانتباه من خلال محاولة النجاة وطلب المساعدة بصوت مرتفع.
وقال تايتش: “في الواقع، الأمر يحدث بهدوء شديد للغاية، فغالباً ما لا يكون لدى الشخص الطاقة الكافية للتلويح بذراعه بقوة. ويمكن أن يكون سبب الغرق سوء تقدير قوة تيار النهر، أو السباحة بعيداً عن الشاطئ، أو السباحة في حالة سكر، أو انزلاق طفل وسقوط رأسه أولاً في المياه. وبغض النظر عن ملابسات الغرق، فإن الوفاة تحدث بسبب الافتقار الى الأوكسجين نتيجة عدم القدرة على التنفس أسفل المياه. وجميع أعضاء الجسم، خصوصاً المخ، يمكن أن تعمل فقط عندما يتم إمدادها بالأوكسجين الكافي”.
ونصح “إذا كان الشخص الذي يتعرض للغرق مستجيباً يمكنك السباحة إليه وإخباره أنك قادم للمساعدة، والاقتراب منه وجهاً لوجه من خلال مسافة آمنة، وإمساكه من وراء ذراعيه”.