الانتحار لا يُوقف الوجع بل الحياة… حالات كثيرة لا يُبلغ عنها!

حسين زياد منصور

في الوقت الذي لا يزال الصراع محتدماً بين القوى السياسية لايصال كل منها مرشحها لرئاسة الجمهورية، من دون اعلان أي من المرشحين عن برنامج انتخابي أو خريطة طريق تنتشل اللبنانيين من البؤس الذي يعيشون فيه، بعد الفشل على مدار 11 جلسة في انتخاب الرئيس العتيد منذ نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون، تعود الى الواجهة مجدداً أخبار الانتحار وارتفاع نسبه، فقد أشارت “الدولية للمعلومات” الى أن حالات الانتحار ارتفعت خلال الأشهر والأيام المنصرمة من العام الحالي إلى 66 ضحية، مقارنة بـــ 40 حالة في الفترة نفسها من العام الماضي، مسجّلة ارتفاعاً بنسبة 65٪. ورجحت في حال استمرار الأمر على هذه الوتيرة أن يرتفع العدد في نهاية العام إلى أكثر من 170 ضحية، وهو الرقم الأعلى المسجّل بين الأرقام في الأعوام الممتدّة من 2012 إلى 2022.

عبد الله: للمخدرات دور أيضاً

ويقول رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله في حديث لـ “لبنان الكبير”: “من الطبيعي وسط الظروف التي يعاني منها اللبنانيون من تراجع في قدرتهم الشرائية الى جانب الانهيار الاقتصادي أن تزداد حالات الانتحار والجريمة”.

ويشير الى أن تراجع قدرة المرضى على استكمال علاجهم، بسبب الأزمة الاقتصادية، خصوصاً ممن يعانون من أمراض نفسية، سيدفعهم الى الانتحار في ظل تأخر الحالة المرضية لبعضهم، مؤكداً أن لانتشار المخدرات دوراً في ازدياد الانتحار أيضاً.

مطر: الانتحار ينتشر بين المراهقين

وتوضح الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر لـ “لبنان الكبير” أن “الانتحار نتيجة التقليد، فالشخص قد يرى أحداً انتحر ويقلده، وبذلك يظن أنه أوقف الوجع الذي وصل الى درجة لم تعد محتملة أبداً، لكنه فعلياً قد أوقف حياته”.

وعن الأسباب التي تدفع الفرد الى الانتحار وانهاء حياته، تعزو مطر ذلك الى الوضع الاقتصادي والظروف الصعبة، بعدما كان معتاداً على نمط معيشة معين، أو نتيجة الصدمات العاطفية. وتقول: “الانتحار عادة ينتشر بين المراهقين بسبب وجود اضطراب في صورة الذات وفي الهوية، ويكونون غير قادرين على تحديد مسار حياتهم سواء كسلوك جنسي أو ميول جنسية، الى جانب التنمر، الاضطهاد، النبذ، والتنشئة الأسرية أي المشكلات العائلية المبنية على العنف اللفظي والجسدي. ويضاف الى ذلك حالات الفشل المتكررة، عند وضع هدف وعدم القدرة على تحقيقه، فيكون الشخص دائماً في حالة انكسار ولا يحقق أي إنجازات. ولعل أهم الأسباب أو العوامل هي الصدمات العاطفية، إثر الخذلان أو الخيانة”.

“كل هذه العوامل تؤدي الى الانسحاب الاجتماعي والعزلة وحالة من الاكتئاب، وعند ارتفاع درجة الاكتئاب من الطبيعي أن يرى الشخص كل شيء سواداً فيفقد الرغبة في الحياة”، بحسب مطر، التي تشير الى ضرورة أن يلجأ أي شخص الى المعالج النفسي “وبمجرد اخبارنا عن وجود أي فكرة انتحار في باله وحتى لو لم تنفذ يحول فوراً الى الطبيب النفسي لأننا لا نضمن في أي لحظة يقوم بإنهاء حياته”، مجددة التأكيد أن “الفرد يظن أنه أوقف الوجع ولكنه أوقف حياته”.

الأزمة الصعبة تلعب دوراً أساسياً

وتعتبر أستاذة في علم الاجتماع في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “أرقام حالات الانتحار هذه وأعدادها صحيحة نوعاً ما، لكنها بالتأكيد أكثر من ذلك، فهذه الأرقام التي سجلتها قوى الأمن الداخلي، وهناك العديد من الحالات التي لم تسجل، وذلك يعود الى وجود عائلات لا تبلغ عن حالات الانتحار خوفاً من كلام الناس من دون نسيان الجانب الديني، بحيث يرفض بعض رجال الدين أداء صلاة الجنازة على من انتحر”.

وتشير الى أن “اللبنانيين يعيشون اليوم أزمة صعبة على مختلف الصعد، اقتصادياً، اجتماعياً، مالياً، لذلك نشهد تزايداً في حالات الانتحار خصوصاً بين الشباب، فلا يمكن نسيان انهيار قيمة الليرة اللبنانية التي أثرت على القدرة الشرائية وقيمة الرواتب، وتبدل الطبقة الاجتماعية للكثيرين، بعد أن انتقلوا من الطبقة المتوسطة، التي اختفت اجمالاً الى طبقة الفقراء”.

وتضيف: “الى جانب ذلك هناك من فقد وظيفته، وآخر وقع الطلاق بينه وبين زوجته، وشهدنا تفككاً كبيراً للأسر، فضلاً عن العنف المنتشر مؤخراً، كل هذه العوامل لها دور أساس في جر الأفراد الى الانتحار”.

شارك المقال