ضرب القطاع التربوي يُؤلم الطرابلسيين… “ما يجربونا بولادنا”

إسراء ديب
إسراء ديب

يُواجه أهالي طلّاب مدرسة “الأنطونية” في الميناء – طرابلس، واقعاً مريراً فرضته السياسة الممنهجة المتبّعة من الدّولة أوّلاً والقائمين على التعليم ثانياً، وهي سياسة فرض “الأمر الواقع” الذي دفع إدارة المدرسة إلى رفع معدّل أقساطها ليصل إلى 1000 دولار، ما أغضب الأهالي ودفع بعضهم إلى التوجه للاعتصام أمامها رفضاً لهذا القرار الذي يُعدّ تجاوزاً قانونياً واضحاً، واعتداءً صارخاً على أهمّية التعليم الذي “ركلته” الدّولة بمرافقها وإداراتها وبكلّ طاقاتها ضرباً للقطاع التربوي سواء أكان على المستوى الرسميّ من جهة، أو المستوى الخاصّ من جهة ثانية.

ولا يُخفي الناشط هاشم المير الأيوبي وهو عضو مجلس بلدية الميناء سابقاً، خطورة هذا الاجراء الذي اتخذته الادارة، مشدّداً على ضرورة إيجاد حلّ سريع ينعكس على هذا القرار، “وإلّا سنتجه من جديد إلى الشارع وسندفع بهذا الملف إلى التصعيد حتّى لو وصلنا إلى نصب خيم أمام المدرسة”.

الأيوبي الذي تعلّم في هذه المدرسة التي تتمتّع بتاريخ تربوي معروف شمالاً، كان سجّل أولاده الخمسة فيها، كبيرهم سيكون على موعد مع الشهادة المتوسطة (البريفيه) العام المقبل، الأمر الذي أحزنه خوفاً من احتمال تنفيذ هذه القرارات حرفياً، خصوصاً وأنّ الكثير من الأهالي يدفعون أقساط أولادهم من “اللحم الحيّ”.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “أُبلغنا هذا القرار منذ أسبوعيْن تقريباً، كما أُبلغت لجنة الأهل بهذا التغيير المفاجئ، وعقدت اجتماعاً بينها وبين الأهالي وطلبنا الاجتماع مع المعنيين في إدارة المدرسة، وكنّا 50 شخصاً من الطرفين وأعربنا عن قلقنا من هذه الاجراءات وعجزنا عن السير بها لأنّها ستكون بمثابة تهجير كارثيّ لنا، فلم يُفكّر أحد في أنّنا عاجزون عن نقل أولادنا إلى المدارس الرسمية التي تُواجه أزمات ولم يتعلّم التلميذ فيها ما يكفيه لإنهاء المنهج، إذْ اقتصرت رحلتهم الدراسية على شهرين أو أقلّ أيضاً، ولم يُفكّر أحد في شعور التلاميذ الذين سيُواجهون عدم الاستقرار والخوف من عملية النقل في حال لم نتمكّن من الاستمرار على هذا النهج، ونحن نرغب في البقاء في هذه المدرسة التي نحبّ ونحرص عليها”.

وما زاد الطين بلّة، هو الرد الذي تلقّاه الأهالي من الادارة: “يلي ما عجبوا يفلّ”، هذه المقولة المشهورة التي عُرف بها الرئيس السابق ميشال عون وأدّت إلى “جهنّم” التي يعيش فيها اللبنانيون قسراً.

من هنا، يلفت الأيوبي إلى أن الأهالي أجروا بعض حساباتهم المالية في هذا الاجتماع تحديداً للتأكيد على أنّ المبلغ المطلوب غير منطقيّ على الاطلاق ولا يمتّ الى العدل بصلة، “فلديهم 60 أستاذاً مع 960 تلميذاً وإذا احتسبنا بمنطق بعض الأرقام شهرياً مع عدد أيّام التعليم الأربعة، فقد يتراوح القسط ومع الربح المتاح أيضاً، بين 400 و450 دولاراً وباللبناني 16 مليون ليرة، بعدما كان يبلغ القسط 150 دولاراً أيّ 5 ملايين ليرة، وهذا أقصى ما يُمكننا تحمّله على الرّغم من ثقله وصعوبته، ووفق المعطيات، إنّ المعنيين في هذه الادارة لم يُتابعوا تفاصيل الحسابات أعلاه لعدم تقبّلهم تغيير ما اتُخذ”. وكان بعض الأهالي علّق على المعاملة السيئة التي وصفوها بـ “الفوضوية” إدارياً.

وإذْ يُؤكّد الأيوبي أنّها ليست المدرسة الوحيدة التي تتخذ هذا الاجراء، يُشير إلى استغرابه من سكوت عدد من الأهالي على هذا الواقع، قائلًا: “هذه القرارات قد تُشرّد أبناءنا وهذا ما أجمعنا عليه مع مجموعة تضمّ 170 شخصاً من الأهالي، ونحثّ المزيد منهم على المشاركة معنا، لأنّنا لن نسكت عن حقّ أبنائنا في التعليم، وإذا قبلنا بنقلهم إلى مدارس رسمية، فسنكون قد أضعنا سنوات من عمرنا بدلاً من استثمارها في أمور كانت أيضاً مهمّة وحرمنا منها لتعليهم أحسن تعليم وثقافة، لكن (لا يجربونا بولادنا) لأنّهم لن يكونوا مكسر عصا مهما حدث”. ويشير الى رغبة الأهالي في معرفة متطلّبات المدرسة واحتساب ما تُقدّمه للتلاميذ ليعرف “كلّ ذي حقّ حقّه”.

وقد يؤدي تدخل بعض المعنيين في هذا الملف (الذي أحدث ضجة شمالاً) وأبرزهم النائب إيلي خوري وممثل تيّار “المردة” رفلي دياب، الى انعكاسه إيجاباً عليه قدر المستطاع، نظراً الى الرمزية التي يحظى بها هذا الصرح التعليمي لا سيما بالنسبة إلى أهالي الميناء.

وفي الاعتصام، لم يغفل الأهالي عن تأكيد حرصهم الشديد على المدرسة التي “حافظت على العيش المشترك في الميناء”، وأبدى بعضهم عتبه على الحكومة والوزراء، وكان الأيوبي أكد أنّهم “تركونا لقمة سهلة للقطاع الخاصّ وطلبوا منّا التحمّل”.

بدورها، تقبّلت إحدى الأمّهات منهج الربح الذي اعتبرته حقاً من حقوق المدارس الخاصّة “لكن ضمن المعقول”، وقالت: “صندوق الدعم فرض على الأهالي هذه الزيادة غير القانونية”.

إنّ ما تُواجهه المدارس الخاصّة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبدأ “الربح والخسارة” المادية عموماً، لكن لا يخفى على أحد أنّ “ابن المدراس الخاصّة تمكّن هذا العام كما الأعوام الماضية من إنهاء مناهجه التعليمية بنجاح حتّى حينما تلقّى علومه عن بعد في زمن كورونا، فمن دفع المال سلم، لكن ابن المدارس الرسمية كان ولا يزال الضحية الأكبر على مستوى لبنان كما الشرق الأوسط كلّه، إذْ لم يتمكّن الأهالي سابقاً من تحمّل تداعيات التعليم عن بعد، والاضرابات التي دفعت بعض المدراس شمالاً إلى فتح أبوابها منذ فترة وجيزة فيما استمرّ بعضها الآخر على قراره للمطالبة بحقوق الأساتذة”، وفق ما يقول مصدر من إحدى المدراس الحكومية في أبي سمراء – طرابلس.

ويضيف: “من فتح هذه المدارس منتظراً وعود وزير التربية عباس الحلبي من جديد سينتظر كثيراً وسيخسر أكثر، لأنّنا نجد ارتفاعاً غير مسبوق في نسب الراسبين بسبب عدم تلقّي أيّ منهم دروسهم بالصورة المطلوبة، كما عمدت هذه المدارس الى فتح أبوابها منذ شهر تقريباً، وقامت بتحديد امتحاناتها بعد أسبوعين من العودة، أيُعقل أنْ يستوعب العائد من زمن الإضراب دروساً جديدة في هذه الفترة القصيرة؟”. ويعرب عن شعوره بالشفقة على التلاميذ وعتبه عليهم في الوقت عينه “لأنّهم لا يدرسون نتيجة تغييب التعليم الرسمي قسراً وإقصائه واستبعاده عن استراتيجية الدّولة، وكأنّ الهدف ضرب القطاع التربوي نهائياً بلا رجعة أو تردّد، وإذا ضرب فعلياً، فلن نتمكّن من تحمّل العواقب التي ستُنهي هذه البلاد، فوحده التعليم من يتمكّن من النهوض بلبنان المنهار”.

شارك المقال