من الساحل إلى الجبل، وتحديداً في المناطق البقاعية، التركيز ليس على الموسم السياحي وحسب، إنما أيضاً على تحضيرات المونة لموسم الشتاء. المشهد يشبه خلية نحل في كل المنازل والمطاحن، الجميع منشغل بتأمين اللبن والبرغل لصناعة الكشك، البازيلاء، الفول، النعنع اليابس، ورق العنب، المخللات على أنواعها، الملوخية وغيرها. ويذداد الاقبال على تحضيرها عاماً بعد عام، خوفاً من إحتمال انقطاعها من السوق أو احتكارها وارتفاع أسعارها في حال اشتدت الأزمة أكثر، لأن في لبنان لا شيء مستحيل.
وتعدّ المونة في البيوت البقاعية مصدراً غذائياً وصحياً لغناها بكل أنواع البروتينات والفيتامينات. وتمتلئ غرفة المونة في كل منزل بقاعي بالعديد من الأصناف، بدءاً بالحبوب (عدس، برغل، حمص، فاصولياء) والكشك ومكدوس الباذنجان وربّ البندورة والقورما، مروراً بالمربيّات (المعقود) على أنواعها، والكبيس والمخلّلات، وصولاً إلى توضيب بعض أنواع الخضروات في الثلّاجات وتجفيف الفاكهة كاللوز والجوز والمشمش والتين والزبيب.
أوضحت إحدى السيدات من منطقة البقاع الغربي، وهي أم لأربعة أولاد، أن راتبها وراتب زوجها لا يكفي للمونة “وعلى الرغم من ذلك أُحضر مواد الكشك بكمية أكبر لهذا العام (٢٤ كيلوغراماً) بعدما كان مقدار مونة الكشك ١٠ كيلو في منزلنا، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وعدم قدرتنا على شراء لحوم بصورة دائمة، فنعوّض عنها بالمونة السنوية والكشك خصوصاً. فالمونة تحتاج إلى جدول زمني لبرمجة إعدادها، ولا سيما أن بعض أنواعها يتطلّب أكثر من أسبوع من الاعداد، فضلاً عن جهد لمتابعته. الكشك مثلاً يحتاج إلى جمع كمية الحليب المطلوبة وإعداد البرغل تمهيداً لمرحلة البل، أي المزج بين البرغل والحليب والملح الذي يتطلب فترة ١٠ أيام تقريباً، وتجري متابعته حتى يبلغ طعمه الحموضة اللازمة ليجري بعدها نشره وتجفيفه بغية طحنه وتوضيبه”.
أما فاطمة من الهرمل فقالت: “بدأنا بمونة المربيات، فمنطقتنا تشتهر بالمشمش، الذي نستخدمه للعصائر، ويحفظ البعض منه في أوانٍ خاصة، ومنهم مَن يفضلون تناوله على شكل مربى مطبوخ في الشتاء للتحلاية. يتزامن موسم المربيات مع موسم أوراق العريش، فقد جمعنا من الكرم ما يقارب الـ ٢٠ كيلو، بحيث تفرز، وتسفط فوق بعضها بصورة مرتبة، ووضعها في مرطبان بعد سحب الهواء منها، ثم توضع المواد اللازمة للأوراق لتبقى طازجة وصالحة للاستعمال خلال الأشهر المقبلة”.
أم يزن من البقاع الأوسط بدأت بمونة الملوخية، وأشارت الى أن “كل منزل يبدأ بالتحضيرات حسب قدرته المادية، ولأنني أعمل براتب محدود، ورأيت أن من الضروري البدء بتجهيز المونة، اكتشفت أن الملوخية هي الأرخص حتى الآن، فاشتريت حاجتي منها، واليوم أقوم بفردها في صالون منزلي المغلق، ولا أسمح لأحد بالاقتراب من المكان كي لا يتطاير الغبار أو الشعر عليها، فهي تعتبر نبتة حساسة و(بتلقط دغري)، وبعد الانتهاء من تجفيفها، تُحفظ في مكان نظيف ويمكن تناولها طيلة فصل الشتاء”.
وأكدت أخصائية التغذية نبيلة الميس لموقع “لبنان الكبير” أنّ “المونة الجاهزة من المحال التجارية تدخل فيها المواد الحافظة، بينما المونة البيتية صحية ١٠٠٪، والمواد التي تضاف إليها معروفة. مثلاً الكبيس، والزيتون، يحتويان على نسبة عالية من الملح في السوبرماركت، بينما عندما تصنعه ربة المنزل بيديها وتجهزه للمونة تستطيع أن تتحكم بالنسبة التي تضاف إليه، والأمر نفسه بالنسبة الى المكدوس وغيره. أما عن الأسعار فلا فرق بين المونة في المحال التجارية وشراء مواد لتحضيرها في المنزل، ففي ظل الأوضاع الصعبة وارتفاع الأسعار أصبحت التكلفة نفسها، حتى أن هناك أناساً استغنوا عن المونة نهائياً ويشترونها عند الحاجة فقط، وهناك سيدات استغنين عن تعب التحضير للمونة كل سنة، وفضلن شراءها لتخفيف العبء عن كاهلهن طالما أن التكلفة أصبحت واحدة”.
لعل أكثر ما ينغّص طعم المونة الشتوية عند البقاعيّين، الضغوط المعيشية والاقتصادية التي يعيشها المواطن، ودفعت غالبية العائلات إلى تقسيم إعداد المونة إلى مراحل متعددة وبكميات مختلفة وبالتقسيط، تجنّباً لارهاق ميزانياتها بجميع المصاريف دفعة واحدة. وأكد صاحب محل تجاري في البقاع أنّ “هناك إقبالاً جيداً جداً عموماً على شراء مواد المونة، وكل شخص بحسب قدرته المادية، وكأن الناس لا تزال خائفة من تكرار سيناريو فقدان الكثير من المواد في السوق اللبنانية، أو غلائها بصورة مرتفعة عند بداية فصل الشتاء، على الرغم من أن أسعارها اليوم أيضاً تلهب الجيوب. ويمكن ملاحظة اتجاه غالبية الناس إلى الكشك، الزعتر والحبوب، لأن هذه الأمور لا تحتاج إلى التبريد”.