عُنِّفنَ وأطفالهن حتى القتل… لماذا لم يطبّق عليهم قانون حماية النساء؟

ليال نصر
ليال نصر

قرّر ربيع فرنسيس مؤخراً قتل زوجته سحر ووالدتها تيريز وأن يكون مصير أولاده تركهم من دون أم أو أب. بذلك، يكون قد وصل عدد جرائم قتل النساء لغاية تاريخ 9 حزيران 2023 إلى 9 ضحايا قتل و3 محاولات قتل و6 جرائم انتحار.

قبل ذلك، قتلت راجية العاكوم في بسابا في شهر أيار الماضي دهساً بالسيارة، بعد أن تعرضت للعذاب بشفرات الحلاقة على يد طليقها علي العاكوم الذي كان هددها وأهلها وأولاده بالقتل ما دفعهم إلى تقديم شكوى بحقه من دون أي تحرك قضائي يذكر، كما الحال في أي جريمة ترتكب بحق النساء وتبدأ بالعنف الأسري لتصل إلى القتل.

وسبقت ذلك عدة جرائم وقعت أبرزها في شباط 2023 عندما قتلت منى الحمصي على يد زوجها بعد أن أبقته زوجاً لها بالاكراه على الرغم من كل ما قدمته من إثباتات تبرهن وحشيته، لكن قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية ترى فقط في التعنيف المستمر سبباً لمنح النساء الحق بالطلاق طالما لا يريد الزوج تطليقها.

وكانت ريما فرحات قتلت خنقاً هي وطفلها البالغ 4 سنوات على يد زوجها الذي رمى بنفسه من على سطح المنزل في منطقة داريا – إقليم الخروب. حصل كل ذلك وأكثر لأن قانون العنف الأسري لا يطبق بصورة جدية وفاعلة.

وتقول المنسقة التقنية لبرامج الوقاية في منظمة “أبعاد” لمى جرادي لموقع “لبنان الكبير”: “إن الغالبية تربط ازدياد العدد الفجائي للجرائم بالأزمة الاقتصادية وما يترتب عنها من أزمات نفسية عند الأشخاص”.

ما هو العنف الأسري؟

إستناداً إلى التعريف الذي وضعه القانون 239 أي قانون حماية المرأة وجميع أفراد الأسرة من العنف الأسري، عرّف العنف على أساس أنه فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد به، ويقوم به أحد أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر ويترتب عنه قتل أو إيذاء جسدي نفسي جنسي أو إقتصادي.

ولنحدد إطار الأسرة فهي عبارة عن الزوجين إن كان الأب أو الأم والأخوة والأخوات، ونقصد الشرعيين أو غير الشرعيين وتجمع بينهم روابط التبني أو المصاهرة أو حتى المصاهرة من الدرجة الثانية أو الوصاية أو الولاية أو حتى إذا كان هناك تكفل لليتيم ضمن الأسرة يعتبر أيضاً من أحد أفرادها، وأيضاً زوج الأم أو الأب. وشملت التعديلات اعتبار الطليق أو الطليقة من ضمن الأسرة.

أنواع العنف الأسري

أكثر أنواع العنف الأسري انتشاراً والتي حدد القانون على أساسها العقوبات هو القتل بالإضافة إلى العنف الجسدي كالضرب أو الدفع أو الحرق، والعنف النفسي الذي يعرّض الآخر إلى تهديد لفظي أو تحقير شفهي أو مكتوب أو غير مباشر، وأيضاً العنف الجنسي وهو أكثر الأنواع تستراً داخل المجتمعات ويشمل التحرش والاغتصاب واستيفاء الحقوق الزوجية بالقوة أي الاغتصاب الزوجي وحتى الدفع أو الإجبار على ممارسة الدعارة من أحد أفراد الأسرة.

وحالياً هناك العنف الإقتصادي المتجسّد في التحكم بالموارد الاقتصادية والمادية للشريك الآخر أو منع حصول أحد أفراد الأسرة أو أكثر من الوصول الى الموارد الاقتصادية أو وضعه تحت تبعية إقتصادية من خلال حرمانه من بعض الموارد أو من العمل أو الحصول على الراتب وحتى النفقة والميراث للوصول إلى الاحتياجات الأساسية.

عوامل وقوع العنف

تتشابك العوامل وتتقاطع مع بعضها البعض لأنها يمكن أن ترتبط بالفرد أو بعلاقته مع الآخر أو الجماعة والمجتمع عموماً.

وتؤكد جرادي أن “هناك في عملية تربيتنا وتنشئتنا فكرة الفريقين، الأول لديه قوة وسلطة والآخر من الفئات المهمشة. وامتلاك الامتيازات أو السلطة من فئة معينة، يجعلها تمارس السلطة والقوة بطريقة مؤذية، وبالتالي يقع العنف. فضلاً عن أن مجتمعاتنا الذكورية تمنح الهيمنة والسيطرة للرجال وبالتالي إن غالبية الفئات المعنفة هي النساء والأطفال”.

وتزيد حدة العنف لكون الأشخاص اكتسبوا بالتربية السلوك العنفي كأسلوب حياة يومي، والذكور مندفعون نحو سلوكيات متهورة وكأنها مهارة مرتبطة بأجزاء القوة الجسدية والبدنية ما يدفعهم الى التعنيف بدافع الحالة الاقتصادية العامة كالفقر والبطالة وتدني الوضعين الاجتماعي والاقتصادي والعزلة والأدوار الجندرية الصارمة المتحكمة بالفئات المستضعفة كالدور الرعائي للنساء ما يجعلها تخسر فرصة العمل خارج المنزل والدور السياسي في اتخاذ القرارات.

كلفة العنف الأسري

نرى كلفة كبيرة جداً على الضحايا من خلال آثار صحية مباشرة أو بعيدة المدى واضطرابات نفسية كلفتها عالية نفسياً وجسدياً كما مادياً للوصول إلى الخدمات. ويسبب العنف تفككاً أسرياً وتوارثاً للسلوكيات العنيفة من جيل الى آخر، فيصبح بالتالي كسر دائرة العنف أصعب لما يسببه من خلل في الأدوار الأسرية بحيث يصبح الأفراد المفترض أن يقدموا الحماية مصدراً للتهديد.

والكلفة الأكبر على الأطفال الذين يشاهدون مظاهر العنف أو يتعرضون له بصورة مباشرة، فيشعرون بالذنب بتعرضهم أو تعرض والدتهم للعنف داخل المنزل ما يؤدي إلى إضطرابات سلوكية مرتبطة بالعلاقات مع الآخرين وتراجع مدرسي وعزلة وجنوح الى السرقة أو المخدرات، بالاضافة إلى الكلفة الاقتصادية وتأثر سوق العمل لأن الفئات المعنّفة تصبح غير منتجة بل مستهلَكة وتزيد أيام تغيبها عن العمل فتنخفض كل من الانتاجية والدخل.

فضلاً عن أن الخدمات التخصصية التي تقدم لضحايا العنف كلفتها كبيرة جداً مع أن الجمعيات غير الحكومية تقدمها مجاناً كالخدمات الصحية والادارة السريرية لحالات الاغتصاب. وهناك خدمات قانونية يشملها القانون 293 الذي تستطيع النساء بموجبه طلب الحماية أمام قاضي الأمور المستعجلة لتحمي نفسها والمتعرضين ضمن أفراد الأسرة من العنف.

وبعد 48 ساعة يصدر عن القاضي قرار حماية يشمل الخطوات التي توضع أمام المعتدي ليلتزم ببعض التدابير منها منع المعنف من التعرض للأشخاص أو إبعاده عن المنزل لفترة محددة أو نقل المشمولين ضمن قرار الحماية الى مكان آمن على نفقة المعنف أو تأمين سلفة تشمل المأكل والملبس للضحية أو الناجية مع أطفالها.

إجراءات تحمي من العنف

تقدم منظمات المجتمع المدني الخدمات التخصصية السرية كأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي من خلال جلسات توعية أو أنشطة تفاعلية لأفراد الأسرة كافة للوقاية وأن يشمل الرجل في هذه الجلسات واعتباره جزءاً أساسياً للحد من هذه الظاهرة ومن الضروري تقديم الدعم لهم ليتدرب الضحايا على كسر العنف الذي تتعرض له.

ضرورة طلب الحماية بصورة مستعجلة وتعزيز الأفكار المرتبطة بضحايا العنف واعتباره شأناً مجتمعياً يجب أن نبلّغ عنه ونقوم بمراجعة دائمة للقوانين الموجودة وتحديثها وتعديل أي مواد لا تزال مجحفة ولا تحاكي الجرم الواقع أو توازيه، وأن نعجّل في إصدار القرارات القضائية ولا ندع الأزمة تؤثر عليها وعلى التأخير في إصدارها خصوصاً المرتبطة بالحماية الأسرية والعنف الأسري.

شارك المقال