تعنيف الأطفال في الحضانات… الدولة شريكة الأهل في الاهمال

عبدالرحمن قنديل

“إذا ما أكلت هلأ… امتى بلحق طعميها؟”، للوهلة الأولى يحسب قارئ الجملة أن الانسانية تلف قائلها، لكن الصدمة كانت كبيرة عندما سرّب الفيديو، بالصوت والصورة كانت الجريمة موثّقة لأبشع أنواع تعنيف الأطفال، في حضانة تعتمد على “وحش بشري” يحمل صفة “أنثى” تعامل الأطفال بعنف، وكل همّها أن تحصل على راتب نهاية الشهر، حتى لو تسبب ذلك بتشويه الطفولة وزرع العنف في نفوس الأجيال.

هذا الفيديو الذي سرّب لحادثة الاعتداء على طفلة في حضانة في المتن الشمالي، أصبح قضية لا تزال محور مواقف معترضة من اللبنانيين، فعند الطفولة تسقط كل السياسات والاقتصادات. نعم كانت الدولة في موقع رد الفعل عندما سارعت إلى اقفال الحضانة بالشمع الأحمر بعد تواصل مباشر بين وزارة الصحة وقائمقام المتن مارلين حداد. وقرر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض سحب رخصة الحضانة نهائياً وبناء على ذلك، تحركت قوى الأمن الداخلي لتوقيف المعتدية. لكن ما يجب أن يستكمل يدور حول سؤال واحد: كيف نحد من ظاهرة تعنيف الأطفال وتفادي أي جريمة بهذه الخطورة؟ فهل هذه الحادثة هي الأولى من نوعها في لبنان؟ وهل هناك رقابة على الحضانات؟

هذا الاعتداء يبين للحظة الأولى أنه الأول من نوعه، لأن لغة استخدام الهاتف كسلاح في الدفاع باتت أقوى من الرصاص، وبالجرم المشهود انتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأكيد أن اعتداءات كهذه تكررت سابقاً ولم تحظ بالعناية المطلوبة أو تم السكوت عنها.

اثر ذلك، نشرت غيدا الدايخ في صفحتها على فايسبوك صورة لطفلها ابن العشرة أشهر تظهر معالم الضرب على تقاسيم وجهه الصغير وما تعرض له في حضانة ضمن منطقة بشامون، فسارعت وزارة الصحة الى اقفالها مؤقتاً الى حين استكمال التحقيق. وأثبت التحقيق الأوّلي مع المسؤولة عن الحضانة وفق بيان الوزارة أنّ “الأطفال كانوا قد تُركوا بلا أيّ رقابة منذ مدّة وجيزة، وما حدث هو نتيجة إهمال وتقصير لا يمكن التغاضي عنهما”.

أما الحادثة الثانية، فتجسدت في قضية حضانة “الآنسة اقبال جمعة”، اذ نشرت المحامية نادين عماد حسون مقطعاً صوتياً يظهر جمعة في المقطع الصوتي وهي تطلب مساعدة بعض المعلمات في الحضانة لاستدراج والدة أحد الأطفال لضربها والاعتداء عليها، لأنها اشتكت من معاملة الحضانة لطفلها، معتبرة أن المعاملة سيئة فضلاً عن التعنيف اللفظي للأطفال الذي تعرضوا له في الحضانة من المعلمات. وتحول الملف لاحقاً الى القضاء المختص بعد تحويل القضية الى قضية رأي عام.

حدد الاستشاري النفسي الدكتور عبد الله الجرّاح في حديثه لـ “لبنان الكبير” المسؤولية بأنها “تقع على ادارة الحضانة بالدرجة الأولى أما باقي المسؤوليات فتتقاسمها كل من الدولة والأهل”، معتبراً أن “المعايير المتّبعة في اختيار المعلمين ناتجة عن اخفاق الادارة في التدقيق في السيرة المهنية للمعلمة من جهة، وعدم وضعها تحت اختبار تتمكن من خلاله من معرفة مدى قدرتها على العناية بالأطفال والمحافظة عليهم من جهة أخرى”.

أما على الصعيد العائلي، فقال الجراح: “إن مسؤولية الأهل تقتضي تخصيص وقت للتواصل مع ادارة الحضانة لمتابعة أوضاع أبنائهم فيها ومدى جديتها في حماية أبنائهم، أو من خلال مراقبة سلوكيات أطفالهم وتصرفاتهم”.

ورأى الجراح أن “الدولة شريكة في الاهمال نظراً الى تكرار الحوادث وعدم قيامها بمعالجة جدية لملف الحضانات من جذوره عبر زيارات ميدانية مفاجئة للكشف عن هذه التجاوزات”.

وكانت وزارة الصحة أصدرت في كانون الأول من العام 2019 قراراً يتعلق بتنظيم استخدام الكاميرات في دور الحضانة بالاستناد الى المادة 16 و24 من اتفاقية الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأوضحت الاستشارية النفسية الدكتورة هيلكا علاء الدين في حديثها لـ “لبنان الكبير” أن “هذا القرار متعلق بخصوصية الأطفال إن كان على صعيد الحضانة أو المدرسة، وذلك من أجل حفظ خلقيات استخدام الكاميرات لضمان مراقبة آمنة للأطفال وحمايتهم”.

هذه الحادثة أعادت فتح ملفّ الحضانات في لبنان ومن يراقب عملها وفق المعايير المطلوبة، فكانت المعتدية جيني الخوري أداة لتسليط الضوء على ملف لم يبصر النور لولا حادثة الأمس… فلنستَبِق حادثة جديدة.

شارك المقال