موجة الحر تهدد المزروعات… وخسائر فادحة في موسم القمح

راما الجراح

على مدى السنوات القليلة الماضية، مرّ لبنان بتحديات هائلة وأزمات متنوعة لم تترك أي شريحة من مجتمعه سالمةً، بدءاً من الأزمة الاقتصادية، انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى المأزق السياسي. ويواجه حاليّاً تحدياً إضافيّاً ألا وهو تغيّر المناخ وارتفاع معدلات الحرارة، مقابل انخفاض في معدلات تساقط الأمطار، والزراعة، ما يشكّل تهديداً مضاعفاً من شأنه أن يزيد من حدّة المشكلات في القطاع الزراعي، في ظل غياب تام لوزارة الزراعة، والفراغ الرئاسي والتحديات التي تشهدها البلاد.

وأظهرت بيانات أولية نشرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة، أن ٧ دول عربية تتعرض خلال أيام لارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، تصل في بعض الأحيان إلى ٥٠ درجة مئوية، تزامناً مع تحذيرات الأمم المتحدة من أن العالم ككل بدأ بتسجيل أعلى درجات حرارة مرصودة في تاريخه. ووفق منصة “طقس العرب”، فإن الخرائط الجوية تظهر أن الكتلة الحارة يتوقع أن تؤثر على ٧ بلدان عربية، هي مصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين، اعتباراً من نهاية الأسبوع الجاري.

الترشيشي: لا تعويض لأضرار المزارعين

وأكد رئيس تجمع الفلاحين والمزارعين ابراهيم الترشيشي في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “درجات الحرارة عندما ترتفع فوق معدلاتها الموسمية بالتأكيد سيحصل ضرر على المزروعات بأنواعها كافة، ويتلفها بصورة كبيرة، ويصبح عمر النبتة قصيراً، فالتي كانت تعيش شهرين أو ثلاثة أشهر، يصبح عمرها شهراً، وتنحسر المساحات الخضراء في السهل، وتصبح كمية الانتاج أقل بكثير وطبعاً نشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار”.

وأشار الى أن “درجات الحرارة المتوقعة لا تلائم كثيراً منطقة البقاع تحديداً، وخصوصاً بالنسبة الى النباتات التي تعيش على ارتفاع ١٠٠٠ متر عن سطح البحر. لهذا السبب لبنان يتأثر بصورة كبيرة بالتغيرات المناخية، وهناك أضرار كبيرة يتكبدها المزارعون من دون أي تعويض من أي جهة. الأنواع الأساسية التي تتأثر هي الخضروات على أنواعها، حتى العنب والأشجار المثمرة”.

أضاف: “من ناحية أخرى، في ظل ارتفاع درجات الحرارة تحتاج المزروعات إلى ري بصورة كبيرة، وكل المزارعين في البقاع يستعملون الآبار الارتوازية لري مزروعاتهم، لأن مياه نهر الليطاني أصبحت غير صالحة كلياً للري، وتحول النهر إلى مجرور صرف صحي، والينابيع تجف قبل أوانها بسبب معدلات الأمطار غير الكافية. وأنصح جميع المزارعين بضرورة حفر آبار ارتوازية وري أراضيهم على الطاقة الشمسية، هذا هو الحل الأنسب وغير ذلك تصبح التكاليف كبيرة جداً عليهم”.

وبالنسبة الى موسم القمح، قال الترشيشي: “المزارع سيتكبد خسارة من كل الجهات، خصوصاً أن الأسعار التي وضعتها الدولة لشراء القمح من المزارعين ليست تشجيعية أبداً ولا مدعومة، وهي دون السعر العالمي. والأبشع من ذلك أن تحويل الدفع هو عبر مصرف لبنان حيث لا ثقة به، ولا المزارع سيتشجع ويؤمن تسليم القمح للمطاحن للقبض من مصرف لبنان. وهذا القرار منذ خروجه من مصرف لبنان ميت، لا يمكن تنفيذه على الأرض، ولا الدولة ستستطيع تطبيقه، ولا حتى المزارع سيقبل بهذا الوضع والمخاطرة بذلك. كان يجب أن يُتخذ القرار بأن يتم تسليم القمح للمطاحن التي بدورها تعطي كل مزارع حقه، وبعدها تتحاسب مع مصرف لبنان والبنك الدولي”.

وأعرب عن أسفه لأن “هذه الآلية تمت من دون التشاور مع النقابات الزراعية، لذلك سيدخلون بالمجهول فيها، ولن تتسلم الدولة قمحاً أبداً”، مؤكداً أن “مزارع القمح سيتكبد خسارة كبيرة، والدولة وكأنها ليست موجودة”.

واعتبر المزارع أحمد. ي من البقاع أن “ما يحصل بحقنا ظلم، الدولة تنهار وقطاعنا ينهار معها، منذ أعوام ونحن نعاني من طرق ري المزروعات، وأصبحنا نذهب إلى زراعات لا تحتاج الى الكثير من الماء كالقثاء، البامية، والقمح الذي سنخسر فيه خسارة فادحة هذا العام، وفي غالبية الأحيان هذه الزراعات لا تعود علينا حتى برأسمالنا. للأسف نحن نعيش في بلد لا يعطي المزارع أي اهتمام مع العلم أن لبنان من البلاد التي يعتبر فيها القطاع الزراعي أساسياً ولكن دون جدوى”.

وقال: “ليس منطقياً أن تضع الدولة قوانينها لمنع المزارع من الري من مجرور الليطاني من دون التعويض بأي حل بديل. كيف يمكن للمزارع ري محصوله في حال ليست لديه القدرة على حفر بئر ارتوازية؟ وفي حال وُجدت، الغلاء الفاحش للمحروقات وقف سداً منيعاً أمامنا لعدم قدرتنا على شرائها بإستمرار ما أدى إلى تضرر المحاصيل ونسف قاعدة الربح تلقائياً. إضافة إلى كل ذلك هناك مزارعون استخدموا طرق الري على الطاقة الشمسية للتوفير، ولكن المشكلة في تكلفة شرائها والتي تحتاج إلى ميزانية كبيرة يصعب على أكثر من ٧٠٪ من الفلاحين تأمينها”.

المزارع اللبناني اليوم بين فكي تغير المناخ وشح المياه إلى جانب تقاعس الدولة عن اعطائه حقه وتعويض خسارته. وبالتالي، ولتلافي الأسوأ لا بد من أن تعمل الدولة على خطين متوازيين، الأول، الحفاظ على الثروة المائية من خلال إقامة البرك الاصطناعية والسدود، والثاني، استنباط أصناف جديدة من المزروعات (خصوصاً الحبوب) التي تتحمَّل الجفاف وتحتاج إلى كمية أقل من الأمطار.

شارك المقال