برنامج الاختيار للرجال… لسلوكياتٍ لاعنفيّة

ليال نصر
ليال نصر

“قررت الدخول إلى البرنامج على أمل أن أتغير وكي لا نفترق” يقول أحدهم، ويضيف رجل آخر: “البرنامج علمني أساليب التواصل مع زوجتي لنفهم بعضنا البعض”، ويتابع رجل ثالث: “البرنامج جعلني أعرف أن العنف خيار غير صحي وعلمني طرقاً لأستخدمها كي لا أقوم برد فعل عنيف”.

الكلام لأشخاص تحدثوا عن تجربتهم بعد التسجيل في برنامج الاختيار للرجال الذي أنشأته جمعية “كفى عنف واستغلال” إنطلاقاً من ضرورة تأهيل المعنِّف كما نص القانون 293 الخاص بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. غير أن القانون جعل التأهيل كعقاب بدل أن يندرج ضمن قرار الحماية الذي يصدره قاضي العجلة وهذا ما تستمر منظمة “كفى” في المطالبة به.

ما هو برنامج الاختيار للرجال؟

توضح المحامية في جمعية “كفى” ليلى عواضة لموقع “لبنان الكبير” أن “فكرة البرنامج أتت نتيجة التعاطي مع السيدات اللواتي يتعرضن للعنف. وهناك الكثيرات منهن لا يردن ترك الشخص المعنِّف أو إنهاء العلاقة معه لكن يردنه أن يغيّر سلوكه. وتظهر دراسات أن العنف هو سلوك من الممكن تغييره وليس مرضاً أو شيئاً لا يمكن التخلص منه، بل ناتج من تربية ذكورية معززة بقوانين ذكورية تجعل الرجل يشعر بسلطة فائضة داخل العائلة ما يدفعه الى أن يمارس العنف لإخضاع أفرادها لسلطته ليسمعوا كلامه ويفرض رأيه”.

وتقول: “إذا تغيرت المفاهيم الذكورية عند الرجل المعنِّف وتعرّف الى الرجولة الحقيقية أي الرجولة الصحيحة، يمكن أن تعدّل هذه المفاهيم في سلوك المعنّف. ومن هنا، وبما أن الدولة اللبنانية ليست لديها برامج للتأهيل ولأنها وضعت في القانون إلزام المعنّف بالتأهيل، أخذت منظمة كفى على عاتقها إستحداث برنامج خاص لتأهيل المعنفين لأنها تعتبر ذلك تلبية لحاجة عند النساء المتمسكات بالعلاقة الزوجية ويبحثن عن وسيلة لتغيير السلوك العنيف لدى أزواجهن. كما أن بعض الرجال يقع في دائرة لا تنتهي من استخدام العنف ثم الندم والاعتذار وطلب فرصة ثانية، معترفاً بالسلوك العنيف وبعجزه عن تغييره من دون مساعدة. هؤلاء الرجال يمكن العمل معهم ضمن برنامج الاختيار”.

كيف خلق البرنامج؟

يعتبر برنامج الاختيار للرجال الأول في العالم العربي لتغيير السلوك العنيف وتأهيل المعنِّف. وقد استعانت جمعية “كفى” بخبراء من منظمة بريطانية تعمل مع المعنِفين أتوا إلى لبنان وعملوا على دراسة الواقع، ورأوا السيدات في “كفى” وسألوهن عن طبيعة العنف وخلفياته، واطلعوا على القوانين الذكورية اللبنانية التي تميّز ضد النساء وتكون حافزاً لارتكاب الرجل العنف، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، ووضع البرنامج على هذه الأسس.

كيف عرف الرجال بالبرنامج؟

يتعرف الرجال الى البرنامج الخاص بهم من خلال زوجاتهم اللواتي يتوجهن إلى “كفى” بعد الوصول الى مرحلة لا يعود باستطاعتهن تحمل السلوك العنيف من أزواجهن لكنهن يبقين مستعدات لاعطائهم فرصة، فيعرضن عليهم هذه الخدمة التي تقدمها “كفى”، وإذا وافق الزوج، يتوجه إلى الجمعية من أجل الخضوع للتأهيل.

وقد استجاب عدد من الرجال لطلب زوجاتهم واعتبروا أن هذا البرنامج يمكن أن يصلح علاقتهم الزوجية إذا تخلّصوا من السلوك العنيف. فمجرد أن يعترف الرجل بأنه يمارس العنف وأن هذا السلوك يزعجه هو أيضاً ويؤثر على حياته وعلاقته العائلية، وأنه مستعد لأن يغّير سلوكه، عندها بالامكان العمل مع هؤلاء الرجال لتغيير سلوكهم. وعندما يغيّرون مفاهيمهم، يغيّرون بالتالي النظرة التقليدية الى دور المرأة في الأسرة ويتعاطون معها كشريكة حقيقية وليس كملكية أو شخص لتلبية حاجاتهم، ويستطيعون أن يتحكموا بسلوكهم.

كيف يتم العمل على البرنامج قانونياً؟

تلفت عواضة إلى أن التواصل يتم حالياً مع بعض القضاة لوضع البرنامج ضمن قرار الحماية حتى لو لم يكن ملزماً قانونياً. فهناك عدد من القضاة واعون أن الرجال إذا تحوّلوا الى التأهيل يمكن أن يستفيدوا، ولذلك يشترط القضاة على الرجل في قرار الحماية الخضوع الى جلسات تأهيل من العنف فيتم تحويلهم إلى برنامج التأهيل في “كفى”.

وهناك رقم مخصص لبرنامج الاختيار وهو 81665532 إذ يتم التواصل مع شخص مختص خضع للتدريب على طريقة التعاطي مع الرجال المعنِفين وتدرّب على دليل خاص بهم وهو يستقبلهم ويحدد جلسات معهم. وهناك فريق خاص بهذا الموضوع يعتمد على أفضل الممارسات والخبرات الدولية ويعطي الرجال الذين يحتاجون الى التأهيل جلسات فردية يعبّرون خلالها عن مفاهيمهم التي تدفعهم الى ارتكاب السلوك العنيف تجاه النساء والأطفال إن كان جسدياً أو معنوياً أو اقتصادياً، فيساعدهم الأخصائيون على تحليل هذه المفاهيم الخاطئة وإيجاد المفاهيم الصحيحة لبناء علاقات سليمة ضمن إطار أسرهم من أجل تعزيز مفهوم الشراكة الحقيقية بين الزوجين والتربية الآمنة والمشتركة للأطفال.

شارك المقال