فيلم السينما… النهاية

نور فياض
نور فياض

لا انجازات في السياسة اللبنانية، ولا مشاهدات عالية لأفلام الساسة في جلساتهم، فلا محتوى ولا انتاج يشجعك على قطع تذاكر للتمتع بأفلامهم، فهي محروقة ومعروفة نهايتها.

صحيح أنهم برعوا في التمثيل، لكنهم لم يبرعوا في الحفاظ على قطاع السينما الذي يحقق انجازات وجوائز عالمية، ليصبح من الكماليات، وبالتالي فقد اللبناني أحد أكثر الأماكن التي تساعده على الترفيه عن نفسه من المصائب التي افتعلها الساسة.

عرفت السينما في السبعينيات ازدهاراً واسعاً، انما المشهد الآن مختلف متجاوزاً ما كان عليه الوضع أيام الحرب. اذ أن هذا القطاع الذي يسهم في الاقتصاد اللبناني وتعتاش منه عائلات كثيرة، أصبح شبه منهار بسبب الأزمات المتتالية التي عصفت بالبلد ليصبح مثيراً للشفقة، ولا يمكن التعويل على العودة اليه في ظلّ تردي أوضاع الناس المادية، فتذكرة السينما باتت مكلفة لذوي الدخل المحدود.

وأضيف الى هذا القطاع مأزق جديد وهو صعوبة إقناع المشاهدين بأن يسلكوا دروب الصالات، بعدما اعتادوا أن تدخل الأفلام بيوتهم، وأن يتنقلوا من فيلم إلى آخر بكبسة زر على جهاز التحكم عن بُعد، ولا سيما أن الخروج بات يتطلب موازنة. أما الشريحة التي لا تزال تتمسّك بمشاهدة الفيلم في صالة سينمائية، فهي ممن لا يزال يؤمن بأن الصالة هي المكان الحقيقي لمشاهدة فيلم، ولا مكان آخر يفيه حقّه.

في السياق، تؤكد مديرة جمعية “سينمائيات” نتالي خواجة عبر موقع “لبنان الكبير” أن “الجمعية التي تأسست سنة ٢٠٠٤ كان هدفها دعم الشباب في مسيرتهم السينمائية من خلال الورش العملية، التواصل مع شركات انتاج، المهرجانات والأفلام القصيرة، حجز الصالات. كما تركّز الجمعية على المتخرجين الجدد في مجالي السينما والمسرح.”

وتشير خواجة الى أن “التطبيقات الحديثة التي تعنى بنشر الافلام، أثّرت على مدرّجات السينما، لكن تبقى تجربة وعادة الذهاب الى السينما لا يحل محلها شيء، وخصوصاً أن غالبية دور السينما تعمل على تطوير المقاعد لتوفّر الراحة الأكبر للمشاهد. كما تعتبر السينما مكاناً جيداً لأول لقاء بين حبيبين، نزهة مع العائلة… وبالتالي للسينما نكهة خاصة، لن يؤثر على جمهورها أي تطببق.”

وتلفت الى أن “الانتاج لا يزال قوياً، انما تأثر عالمياً بكورونا، اما لبنان اضافة اليه، فقد تأثر أيضاً بالأزمة الاقتصادية. وبالعودة الى واقع السينما عالمياً، نجد أن ٤٣ ألف ممثل ومخرج في هوليوود سينفذون اضراباً بسبب الغلاء المعيشي في الأيام القليلة المقبلة. اما في لبنان، فضعف الانتاج قليلاً، وما يساعده اليوم هو الاتفاقات والتعاقد مع الشركات العربية وخصوصاً أننا نملك ممثلين ومخرجين ترفع لهم القبعة، وهذا ما يعطي دفعاً ايجابياً ونأمل أن يتحسن الانتاج.”

وترى خواجة أن “هنالك تخوفاً من الذكاء الاصطناعي الذي سيحلّ مكان الممثل، ويحكى وفق الدراسات أنه في سنة ٢٠٢٩ سيصبح أذكى من الانسان ما يؤثر ليس على السينما وحسب، انما على الوظائف كافة”.

وتذكر ببعض النشاطات التي قامت بها الجمعية لتشجيع الخريجين في قطاع السينما “أنشأنا منذ فترة، ورشة عمل في جامعة الكسليك تحت عنوان ادارة الممثل، شارك فيها ٢٠ شخصاً، قدّم كل منهم فيلماً قصيراً والرابح حصل على ١٠٠٠ دولار. وقبلها نظّمت الجمعية مسابقة لفيلم قصير حمل عنوان بحبك يا لبنان بدقيقة، والمراتب الثلاث الأولى حصلت على جوائز قيمة. كما نظمنا مهرجان Golden Apple Award أضأنا خلاله على ٢٤ فيلماً قصيراً لخريجين جدد، وربح ٦ أشخاص، شاركوا بعدها في مهرجانات في فرنسا وأميركا وأرسلناهم الى نوع كهذا من المهرجانات ليفتح أمامهم باب التواصل ولكي يعرض فيلمهم عالمياً”.

أما الخبير السينمائي اميل شاهين فيقول لـ “لبنان الكبير”: “ان عوامل عدة أثّرت على السينما سلباً، مثل كورونا، العامل الاقتصادي والتطبيقات التي يحمّل عبرها المشاهد الفيلم الذي يروق له، وأيضاً الاضرابات التي يدعو اليها في أميركا الممثلون”.

ويضيف: “عندما نتابع حركة السينما منذ تأسيسها الى اليوم، نجدها في كل أزمة تسارع الى إيجاد الحلول عبر المنتجين ليحيوا السينما، اليوم نعاني من أزمة محليّة وعالمية وبحاجة الى شيء مميّز في أفلامها، مثلاً تامر حسني جاذب للمشاهدة، انما هذا لا يعني أن السينما بكل عواملها بخير، ولكن يبقى للحالات الاستثنائية تأثيرها الايجابي، كحالة تامر حسني أو حتى مثلاً في عطلة نهاية الأسبوع، لكنها شبه فارغة.”

ويوضح أن “الشعب اللبناني على الرغم من كل شي، يحب الحياة، والسياحة هي عامل أساس للتشجيع على احياء المهرجانات، كما السينما. انما عموماً حركة السينما قليلة وخصوصاً في الخريف”.

مؤخراً، وعلى الرغم من ركود القطاع السينمائي، استطاع قاسم اسطنبولي أن يحصد جائزة “اليونيسكو” في فرنسا بسبب تعزيزه العديد من دور السينما ونشر الثقافة. صحيح أن هذا القطاع يحقق انجازات عدة الا أنه بحاجة الى دعم أكبر ولكن ماذا ستحيي الدولة لتحيي؟ اذ ان الموت السريري يخيّم على القطاعات كافة ومنها القطاع السينمائي الذي ينتظر رواده المخلصين لإنعاشه، فربما يلجؤون اليه لكي ينسوا لبعض الوقت في الصالات الصغيرة، ما يُحاك لهم في سجنهم الكبير.

شارك المقال