نتائج الامتحانات مفاجئة ونظام التقويم “من العصر الحجري”

حسين زياد منصور

صدرت نتائج امتحانات الثانوية العامة بفروعها كافة، وجاءت مخالفة للكثير من التوقعات، فمن رسب لم يتقدم لاجراء الامتحانات، ومن كان يتوقع الرسوب نجح وبعضهم حصل على تقدير جيد وجيد جداً، وهذا ما أثار استغراب الكثيرين، حتى الناجحين أنفسهم، وطرح تساؤلات كثيرة حول هذه الامتحانات خصوصاً مع الإصرار على إجرائها، وأهميتها التربوية والتعليمية. 

نعمة: “شو حافظ واستعملها”

الباحث في “مركز الدراسات اللبنانية” نعمة نعمة يقول في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “المشكلة هي في تقليص المنهاج بهذه الطريقة واعطاء الطالب 3 أو 4 دروس يقوم بحفظها وتقديم الامتحان بها، وفي التقليص الذي وصل الى 15 ٪؜ من المنهاج الأساس، هل هو كافٍ كي ينتقل الطالب الى المرحلة الجامعية من خلال هذه المعارف والمكتسبات، وأن يمتحن بـ 3 و4 دروس من كل مادة وهناك مادة اختيارية من 4 أو5 مواد؟ هذا الشكل ليس سليماً”.

ويضيف: “نحن نتكلم عن فاقد تعليمي متراكم منذ 4 سنوات من أيام كورونا، لم يكن هناك تعليم بصورة متكاملة لأن الشكل المعتمد عبر الامتحانات الرسمية ليس تقويماً معتمداً من دول العالم، بل يجب تقويم المرحلة كلها أي الثانوي كله يجب أن يخضع للتقويم، من الممكن أن يكون الامتحان للمكتسبات المعرفية المتراكمة في مرحلة الثانوي كلها، وهذا الامتحان في حال حصوله يجب أن يترافق مع تقويم متواصل، أي مستمر يبدأ من أول السنة حتى آخرها ويصبح هذا جزءاً أساسياً من التقويم العام والنجاح رفقة الامتحان”.

ويصف نعمة نظام التقويم لدينا بأنه من العصر الحجري، وهو الامتحان “شو حافظ واستعملها”، لذلك “نجد نسب نجاح عالية لوجود قدرة على الحفظ لا بأس بها أو التدرب على حل نماذج دروس محدودة ومادة اختيارية يعيد تسميعها الطالب، لذلك ليس نظام تقويم فاعلاً”.

وعن تفوق طلاب المدارس الرسمية في الامتحانات، يعتبر نعمة أنه “أمر طبيعي لأن الفئات المسحوقة التي تلجأ الى المدارس الرسمية لا تملك سوى خيار الدرس والنجاح وهذا لا يعود الى المدرسة، ولو كان يعود اليها لكان الجميع نجح وتفوّق، هذا يعود الى الطالب نفسه وأهله ولرعاية والأساتذة الذين يعلمونه هذه المواد”.

وعن نسب النجاح، يوضح أنها “في الآداب والانسانيات 70٪؜ تقريباً من بينها ألف طالب في التعليم الرسمي وبحدود 500 من التعليم الخاص، والغالبية من التعليم الرسمي وعلى اعتبار أن التعليم الخاص تمكن من دراسة المنهاج كله ودرس وركز على 4 دروس وأمّن نجاحه قرابة 90٪، هذا يعني أن المعدل العام بوصوله الى 70٪؜ أي 50٪؜ من طلاب الرسمي راسبون وهذا يدل على وجود مشكلة في التعليم الرسمي”.

ويشير الى “ضرورة معرفة نسبة النجاح في الخاص والرسمي عملياً، لأن مؤشرات السنة الماضية تقول ان نسبة النجاح في التعليم الخاص وصلت الى 97٪؜ بينما كانت في التعليم الرسمي متدنية والمعدل العام بحدود 90٪”.

قانصو: نتائج لا تعكس الواقع التربوي

وتتمنى الخبيرة التربوية رنا قانصو في حديث مع “لبنان الكبير” أن يوضح وزير التربية أو أي أحد من الوزارة ما الذي حصل بالضبط، وتقول: “الجميع يعلم في القطاع التربوي وخصوصاً في المدارس الرسمية المشكلات التي شهدناها طوال السنة من غياب الأساتذة واستبدال بعضهم خلال العام الدراسي، اذ ان في بعض المواد تم تبديل الأساتذة عدة مرات فضلاً عن الغياب الكثير، ولم تكن هناك متابعة حول إعطاء المنهاج وما تمت دراسته فيه والطريقة التي أعطي المنهج فيها”.

وتؤكد وجود “فرق كبير بين ما أعطي في المدارس الرسمية والمدارس الخاصة، وتباين في المدارس الرسمية نفسها، وكان هناك تشكيك كبير في ما أعطي وكيفية إعطائه وإن كان الأستاذ الذي يعطي المادة يتمتع بالكفاءة اللازمة”، موضحة أن “الصرخة طلعت في اليوم الأول، امتحان الرياضيات لم يكن مدروساً، كان صعباً على تلاميذ المدارس الخاصة وليس الرسمية فقط، وتم التواصل مع أساتذة في القطاع الرسمي للاستفسار، وكان التساؤل حول الأسس التي وضعت الأسئلة بموجبها والأخذ في الاعتبار مستوى التلاميذ وما أنجزوه من المنهج”.

وتضيف: “بعد هذه الكركبة ظهر العديد من التساؤلات ان كانوا سيأخذون ذلك في الاعتبار في التصحيح وهل سيكون هناك تساهل، وكان التوقع أن تكون هناك نسبة رسوب كبيرة لكن عند صدور النتائج فوجئ الجميع بنسبة النجاح والتقديرات، وحتى الأساتذة فوجئوا. لم نعرف الى الآن ما هي المعايير التي استندوا اليها في التصحيح، هل حذف بعض الأسئلة أم لا؟ هل تم التعامل مع المدارس الرسمية بطريقة مغايرة للمدارس الخاصة أم لا؟ هناك تساؤلات كثيرة، لذلك نطالب الوزارة بإعطاء تفسير لما حصل، الجميع لم يستوعب ما حصل، نريد تفسيراً منطقياً يعطي الاجابة عن كل تساؤلات الأهالي والتلاميذ والأساتذة”.

وتسأل قانصو: “كيف تصدر نتائج كهذه لا تعكس الواقع التربوي، والشكوك تتزايد والأساتذة يتساءلون في ما بينهم بخصوص ذلك؟”.

خليفة: الامتحانات لم تقوّم ما تعلّمه التلاميذ

بالنسبة الى الدكتور في علوم التربية في الجامعة اللبنانية علي خليفة فان النتائج المعلنة للامتحانات الرسمية في الثانوية العامة هي “نتائج خادعة”، موضحاً أن “الامتحانات بصورتها الراهنة اليوم، تغفل عن قياس تحصيل التلاميذ للمهارات والقدرات، وتقتصر على التقرير بشأن معارف محدودة ومجتزأة، فالشهادة الرسمية فقدت بذلك قيمتها ومكانتها. وفي حالات عديدة أصبح التلاميذ مجبرين على المرور بسنة تحضيرية قبل قبولهم في التعليم العالي، فنظام الامتحانات الرسمية لم يتطور في لبنان ولم يواكب الناجز الراهن للعلوم التربوية لا سيما في ما يخص مبادئ التقويم وفلسفته”.

ويضيف: “علاوة على ما سبق، فإن الامتحانات الرسمية هذا العام لم تقوّم ما تعلّمه التلاميذ لا سيما في المدارس الرسمية، لأن الأساتذة لم يعلّموهم الحدّ الكافي والمضمون من المناهج، بل علّموهم بعجالة، بعد فرط الاضراب، من أجل الامتحان وما سيتضمّنه من أسئلة، وهذا خداع”.

ويرى أن “ما حصل هو خداع تربوي، خداع مهني، خداع أخلاقي. ونتائج الامتحانات الرسمية أقرب إلى نتائج فرز الصناديق في جمهوريات الديكتاتورية والقمع، وأجيالنا تدفع الثمن ومستقبل مجتمعنا في مهب التخريب والفوضى”.

شارك المقال