“رأيي مش جريمة”… عدم الخضوع لترهيب السلطة وأبواقها

عامر خضر آغا

أطلقت منظمة العفو الدولية حملتها الجديدة “رأيي مش جريمة” لمطالبة البرلمان اللبناني بإلغاء جميع القوانين التي تجرّم التحقير والقدح، مشيرةً إلى أنَّ على السلطات اللبنانية التوقف بصورة فورية عن ملاحقة الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء وغيرهم من أصحاب الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي. وكشفت المنظمة أنها وثقت “في أعقاب حركة الاحتجاج في تشرين الأول 2019، إلى جانب العديد من المنظمات الأخرى، زيادةً في التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بحرية التعبير”، موضحة أنها وثقت “بين 17 تشرين الأول 2019 و24 حزيران 2020، حالات 75 فرداً، من بينهم 20 صحافياً تم استدعاؤهم بالاستناد إلى تهم القدح والذم والازدراء والتحقير”.

قمع حرية الرأي والتعبير في لبنان ليست ظاهرة جديدة نظراً الى ما قدَّمه الصحافيون والصحافيات في لبنان من برامج ومقالات فضحت بجرأة مفاسد الكثير من السياسيين في أدائهم لمهامهم وفي التصرفات الصادرة عنهم وعن مناصريهم. واعتبر المسؤول الاعلامي في مؤسسة سمير قصير جاد شحرور في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنَّ “على الصحافي بدوره أن يذوِّب لدى الشعب التمسك بالحواجز الطائفية السياسية بمثابرته الدائمة على صنع محتوى صحافي مؤثر في الرأي العام حتى يستطيع محو علة الطائفية السياسية وأن لا يخضع لترهيب السلطة وأبواقها بحجة الحفاظ على التوافق والسلم الأهلي”.

مظاهر ترهيب السلطة للصحافيين وأصحاب الرأي تكررت هذا العام، فقد حُكم على الصحافية ديما صادق بالحبس لمدة عام ودفع غرامة قدرها 110 ملايين ليرة لبنانية بتهم القدح والذم والتحريض الجزائية، بعدما وصفت “التيار الوطني الحر” بـ “النازية”. وفي آذار اعترض جهاز أمن الدولة سيارة الصحافي جان قصير صاحب منصة “ميغافون” واستدعاه الى استجواب سببه استدعاء استند الى شكوى تشهير جزائية.

ظهرت الحملة الى العلن بعدما أمعنت الطبقة السياسية الحاكمة وأعوانها في كم أفواه وأقلام كل من تجرأ على الانتقاد الجذري والواسع لمزاريب الهدر والفساد التي هندست سرقة اللبنانيين حارمةً إياهم من أبسط حقوقهم، ما دفع أصحاب النفوذ المتهمين بصورة دائمة إلى ترهيب كل صاحب رأي يتجرأ على فتح ملفات فساد أو يوَّجه انتقادات الى أصحابها، بدءاً من تسخير مواد في قانون العقوبات وقانون المطبوعات وقانون القضاء العسكري لصالحهم بعقوبات قد تصل أحياناً إلى السجن لمدة ثلاث سنوات لمجرد التقليل من شأن المؤسسات العامة عدا عن الاستدعاءات التي يكون المدَّعَى عليهم فيها ملزمين بتوقيع تعهدات تمنعهم مرة أخرى من انتقاد المُدَّعي، بغياب فاضح لأي تنظيم قانوني يتضمن قوانين مدنية للمحاسبة على التشهير وقوانين جزائية للمحاسبة على التحريض لحماية سمعة الأشخاص. وبغياب أي آلية قانونية معاصرة تميِّز بين مبدأ الاساءة ومبدأ الضرر في التعبيرعن الرأي، أضحى لبنان لا يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان في الحق في حرية التعبير بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في أحكام التشهير.

وفي هذا السياق، لفت المحامي أمين بشير لموقع “لبنان الكبير” الى أنَّ “منظمة العفو الدولية بدأت تهتم بصورة واضحة بتدعيم حرية الرأي والتعبير مباشرةً باقتراح مشاريع القوانين، وذلك للغط الحاصل في عدم تشريع القوانين التي تنظم حرية التعبيرعلى مواقع التواصل الاجتماعي ولنقل قضايا القدح والذم والتشهير من المجال الجزائي إلى المجال المدني بإقرار تنفيذ التعويض بحكم مدني في حال تبيان ضرر معين كالافتراء بغير حق وإلغاء عقوبة السجن وهو ما سيترجم بمشاريع قوانين ستقدم قريباً منها مشروع ستتقدم به النائب حليمة قعقور، والمبدأ في المحاسبة هو أن يكون للإساءة ضرر ملموس لأنَّ القانون يحاسب على الفعل، فلا يمكن تجريم من أتى بالقرائن والدلائل عن فساد السلطة السياسية بمواد القدح والذم والتشهير”.

يشير الارتفاع الملحوظ في حالات الاعتقال والاحتجاز في لبنان الى أنَّ حق الفرد في التعبيرعن رأيه تدهور بصورة كبيرة بسبب الحواجز العرفية في السياسة والدين والتي استغلها السياسيون اللبنانييون لفرض خطوط حمر على حرية الرأي والتعبير، ليصبح كل انتقاد لأحدهم هو بمثابة مس بالمقامات واضرام لفتيل الفتنة والاقتتال والتمرد على النظام السياسي. حججٌ واهيةٌ ذات طابع تخريبي تنسب الى أصحاب الرأي بغية شرعنة تخوينهم، فيستمر ساسة لبنان وأعوانهم دائماً في الخلط المتعمد بين مبدأ الضرر ومبدأ الاساءة في حرية التعبير عن الرأي، ويسارعون إلى اعتبار كل إساءة في التعبير عن الرأي ضرراً غايته الشخصية التحقير ونشر الأكاذيب والفوضى في الرأي العام، ليبرز التناقض بين نظام ديموقراطي ليبرالي كرَّسه الدستور عموماً سمته حماية الحريات من التعسف ونظم الجماعة والطائفية التي كرّستها التسويات السياسية والتي ألغت في مضامينها الظاهرة والخفية كل حقوق الأفراد في عيش حياة طبيعية لائقة وانتهاك كل ما يمكن أن يحِّسن من أحوالهم ويفضح مكامن الفساد بسلبهم حريتهم في رفض كل أنواع القهر والاستبداد والسلب لحقوقهم.

وأكد شحرور أنَّ “معركة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في لبنان هي معركة المجتمع ضد السلطة الحاكمة، لأنَّ المواطن إذا لم يمتلك المعلومة فلن يستطيع أن يحاسب ولن يستطيع بالتالي أن يطوِّر مجتمعه، ومعركة أخرى مشتركة بين الصحافي والهيئة التشريعية من أجل تجديد القوانين التي تحمي الصحافي كي يستطيع ممارسة مهنته بجرية وتجريدها من اللغة الفضفاضة وخصوصاً في ما يتعلق بتحقير المسؤوليين، فعندما يصدر مقال ينتقد بياناً لرئيس الجمهورية أو وزيراً تولى منصباً وزارياً لسنوات ولم يقم بمهامه الموكلة اليه يتهم صاحب بالمقال بالتحقير والقدح والذم ما يعرقل انتاج محتوى صحافي يطال الطبقة الحاكمة بكشف فسادها”.

وفي سياق مشابه، أشار بشير الى وجوب “ألا يتم تفسير القوانين على هوى السياسيين ومن غير المنطقي إدراج مجموعة من الآراء في لبنان لا تعجب جماعات معينة على أنها نعرات طائفية، فيجب العودة إلى الأصول القانونية السليمة التي تكرِّس مبادئ العدالة والمساواة العالميين بين الجميع وألا ننحدر الى وضع معايير وقواعد خاصة تحمي الساسيين من المحاسبة، كما أنه لا يمكن إرضاء كل الناس ولا كل الطوائف على حساب الدولة والانتظام العام”.

شارك المقال