شرب كميات كبيرة قد يقتل… متى يحدث “التسمم المائي”؟

تالا الحريري

الماء، هو أولى حاجات الانسان للبقاء على قيد الحياة، وكذلك للحيوانات والنباتات أو حتى الأرض بأكملها التي لا يمكنها العيش من دونه. ولكن لم يكن ليخطر في بالنا يوماً أنّ أكثر الأشياء نفعاً في الحياة قد تؤدي إلى الموت!

إنّ الامتناع عن شرب المياه يؤدي حتماً إلى الجفاف وهذا ما ينعكس علينا خارجياً سواء في جفاف البشرة أو تشققها، أو قد ينعكس داخلياً عبر توقف الكلى عن العمل أو تشكل حصى فيها. كما أنّ الكثير من الأشخاص لا يتقبلون شرب الماء، على الرغم من أن لا طعم له، فيتجهون اما إلى استخدام ملونات غذائية تحتوي على طعم الفواكه كالفراولة والتوت البري وغيره أو نقع فاكهة طبيعية طازجة وحامض في الماء لتغيير الطعم. ومنهم من لا يتقبله نهائياً فيلجأ إلى الاكثار من السوائل كشرب العصائر أو تناول الفاكهة والخضار التي تحتوي على نسبة مياه عالية.

معظم الأمور الصحية مرتبطة بشرب الماء، الذي ينصح به الأطباء مثلاً للحصول على بشرة صافية ورطبة، أو لتجنب الالتهابات البولية، إنقاص الوزن، مقاومة الامساك أو تعديل درجة حرارة الجسم، إضافة إلى التوصية بتناول كوب أو كوبين من الماء عند الاستيقاظ من النوم لما لذلك من فوائد كثيرة.

يبدو الحديث عن كل تلك الأمور مشجعاً على الاكثار من شرب الماء، لكن ماذا يمكن أن يحدث لو شربنا كميات تفوق طاقة الجسم على تقبلها؟

توفيت مواطنة أميركية تدعى آشلي سمرز، وهي أم لولدين تبلغ من العمر 35 عاماً، بعدما شربت حوالي ليترين من الماء في غضون 20 دقيقة. وقد أفرطت في شربها للماء أثناء وجودها في عطلة مع أسرتها في بحيرة فريمان في تموز الماضي، بعدما شعرت بأعراض الجفاف وذلك بفعل الحر الشديد. انهارت بعدها نتيجة تورم حاد في الدماغ، ودخلت في غيبوبة لم تستفق منها، وقد شخّص الأطباء حالتها بالتسمم المائي، وذلك بسبب وجود الكثير من الماء في الجسم وعدم كفاية الصوديوم.

تحدث أعراض نقص الصوديوم في الدم (hyponatremia) عند شرب 3-4 لترات من الماء خلال فترة زمنية قصيرة. اذ يمكن للكليتين التخلص من حوالي 20 – 28 لتراً من الماء يومياً، ولكن لا يمكنهما التخلص من أكثر من 0.8 – 1.0 لتر في الساعة. مقدار الماء الذي يحتاجه الجسم يختلف من شخص الى آخر، ويجب أن يضع الشخص في الاعتبار عمره وجنسه ووزن جسمه ومستوى نشاطه البدني والمناخ المحيط به.

ويشير معهد الطب (Institute of Medicine-IOM) إلى أن كمية الماء الكافية في اليوم للرجال هي حوالي 3.7 لترات، وللنساء 2.7 لتر.

حسب مواقع طبية موثوقة، هناك نوعان من التسمم المائي وكلاهما يسبب خللاً في مستويات الصوديوم في الدم، النوع الأول يحدث نتيجة شرب الكثير من الماء خلال فترة زمنية قصيرة. والنوع الثاني ينتج عن احتفاظ الجسم بالماء وعدم قدرته على التخلص منه بصورة صحيحة، وتحدث هذه الحالة بسبب تناول بعض الأدوية أو إصابة الشخص بأمراض معينة.

تكمن أسباب حدوث التسمم المائي في فشل القلب الاحتقاني، أمراض الكبد، مشكلات في الكلى، متلازمة عدم ملاءمة إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول، أو مرض السكري. وينتج عن ذلك صداع في الرأس، غثيان وقيء وفي الحالات الأسوأ من ذلك قد يؤدي التسمم المائي إلى ارتفاع ضغط الدم، التشويش، ازدواج الرؤية، الدوخة والنعاس، صعوبة في التنفس، ضعف العضلات وتشنجها، تلف في الدماغ، غيبوبة وصولاً إلى الموت.

لا احصاءات حتى الآن عن عدد الوفيات بالتسمم المائي، كما تعتبر هذه الظاهرة نادرة ولا تحدث كثيراً.

وأوضح اختصاصي الأمراض الداخلية د. سلام الأعور لـ”لبنان الكبير” أنّ “التسمم المائي يحدث عندما لا تعمل الكلى بصورة كافية وتكون ضعيفة، فحين يشرب الانسان كمية كبيرة من الماء يتورم الجسم والدماغ”، مشيراً إلى أنّ “واحدة من وسائل ضبط الحرارة عندما يشعر الانسان بالحر، هي التعرق وعندما يعرق يخسر سوائل كثيرة. غير أنّ البخار الذي يخرج في النفس نتيجة الحر يزداد، وكمية البول تصبح أقل نتيجة الماء الذي يخسره الجسم عبر الجلد والنفس ما يدفع الانسان إلى حاجة أكبر لشرب المياه”.

شارك المقال