إفشاء الفضيلة

السيد محمد علي الحسيني

نعيش في زمان طغت عليه الماديات والشكليات على القيم والمبادئ والأخلاق، خصوصاً في ظل هيمنة العالم الإفتراضي وتراجع دور الأسرة في التربية وكذلك المؤسسات التربوية، فأفلت الفضيلة وطغت الرذيلة التي أصبح إفشاؤها علناً من دون حياء مدعاة للفخر، وازدادت المخاوف أكثر فأكثر من انحدار المجتمعات في ظل هذا الواقع المخيف الذي كثر فيه الكذب والتنمر والجرائم وتفشت فيه مساوئ الأخلاق التي تسببت بزعزعة استقرار المجتمعات، في ظل غياب صوت الداعين إلى الفضيلة والقيم الأخلاقية.

الفضيلة صمام الأمان لبقاء المجتمعات

لقد حرص ديننا الحنيف على الدعوة إلى التحلي بالأخلاق والفضائل ودعا القرآن الكريم إلى اتباع منهج الهدى في قوله تعالى: “فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”. وحث الإسلام على تهذيب النفس وإصلاحها لتفوز برضا الله في الدنيا والآخرة “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”، كما أن نبينا الكريم أكد الهدف من بعثه لأجل تقويم سلوك البشر وتهذيبهم وهو القائل (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فجاء الإسلام ليهدي الناس إلى الأخلاق النبيلة وحسن الجوار والإحسان إلى الناس ونهى عن المنكرات والفواحش لما لها من انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع، ولا شك في أنها تؤدي إلى الإخلال بالنظام الإجتماعي وتهدم الروابط وتشتت المفاهيم وتعكسها، فتصبح هي المهيمنة والمسيطرة على الواقع في العالمين الحقيقي والافتراضي، ولذلك فإن المجتمعات التي تهيمن عليها الفضيلة تجدها تعيش في أمن وأمان على عكس المجتمعات التي تطغى عليها الرذائل فتجد الفوضى عارمة وانعدم فيها الاستقرار الذي يؤدي إلى تهديد وجودها.

المسؤولية الفردية والجماعية لترسيخ الفضيلة

إن الواقع الذي نعيشه حالياً يعج بمظاهر الانحراف والمنكر والفواحش، كما أن من يسمون أنفسهم بـ “المؤثرين” و”صنّاع المحتوى” يخدرون عقول الناس بأفكارهم المنحلة ويروّجون لثقافات العري والشذوذ والانحراف عن الفطرة بصورة علنية ويدعون الى الرذيلة باسم الحرية المشوهة مفاهيمها، وهدفهم شيطاني يتمحور حول تحريف الناس وتضليلهم وزجهم في غياهب الرذيلة. لذلك فنحن مدعوون جميعاً إلى إفشاء الفضائل ومطالبون بالدفاع عنها ونشر الخير والدعوة الى القيم والأخلاق والتحلي بالأدب واللباس المحتشم، فالأخلاق في الإسلام مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالإيمان، والدليل على ذلك قوله تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”، بل الدين قائم على مسألة ترك الفواحش والمنكرات، وقد جاء عن بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) قال: “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا”، كما القيم الأخلاقية ثابتة لا تتغير مع تغير الأزمنة كما يدعي البعض “فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله”، والفطرة هي الإسلام بقيمه السمحة ومبادئه العظيمة وأخلاقه النبيلة.

إننا جميعاً أمام مسؤولية كبيرة والمطلوب أن نتصدى لهذا الواقع الموبوء بنشر مكارم الأخلاق وزرعها داخلنا وفي بيوتنا ومجتمعنا، ونروّج ونعلن عن قيمنا وأخلاقنا السامية انطلاقاً من رسالة نبينا الذي كان قرآناً يمشي ومصباحاً للهدى يدعو إلى البر والتقوى وينهى عن الفحشاء والمنكر، فطوبى لمن اتبع المصطفى وسار على دربه فنجا في الدنيا وفاز في الآخرة.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال