المادة 47 أ.م.ج… ردع التعرض الفاضح لحقوق المُحتجزين

عامر خضر آغا

أثارت انتهاكات حقوق المحتجزين الرأي العام اللبناني خصوصاً في الطريقة التي كان يتم التعامل بها في الآونة الاخيرة مع الناشطين السياسيين والحقوقيين وأصحاب الرأي عموماً لجهة تعسف السلطة في إظهار الكيدية وممارسة شتى الضغوط المعنوية والنفسية تجاه معارضيها، ما دفع فئة كبيرة من المواطنين ولا سيما المعارضون ومناصرو المجتمع المدني والحقوقيون المناهضون لتحوير الطبقة الحاكمة وسلبطتها في تحوير القوانين الى المطالبة باحترام حقوق المحتجزين في الدفاع عن أنفسهم خلال فترة توقيفهم بحسب ما نصت عليه المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

ظهرت مطالبات حثيثة ومعارك طويلة الأمد لا سيما بعد “ثورة 17 تشرين” لتحصيل حقوق المحتجزين لجهة حفظ كرامتهم أثناء اجراء التحقيق معهم عبر تطبيق المادة 47 أ.م.ج التي قامت النيابة العامة التمييزية مؤخراً بإقرار تطبيقها، وتنص بصورة أساسية على منع الضابطة العدلية من احتجاز المشتبه فيه إلّا بقرار من النيابة العامّة ضمن مهلة لا تزيد على 48 ساعة، يمكن تمديدها لمدّة مماثلة فقط بناءً على موافقة النيابة العامّة، وحقه في التزام الصمت وعدم اكراهه على الكلام، فلا يجبر تحت ضغط التعذيب على الاقرار بأعمال لم يرتكبها وحقه في الاتصال بأحد معارفه، اذ يمكنه بإقرار هذه المادة أن يعلم أي ممن يعرفهم أو ذات صلة به بمكان توقيفه وخصوصاً المحامي الذي يريد توكيله للدفاع عنه، إضافة إلى حقه في الحصول على المعاينات الطبية فتوَّثق عندها أي اعتداءات او انتهاكات جسدية بحق الموقوفين.

وأشار المحامي أمين بشير لـ “لبنان الكبير” الى أنَّ “المشكلة الأساس تكمن في أن الملزم بتطبيق المادة 47 أ.م.ج هو الضابطة العدلية، وفي هذه الحالة في أي تحقيق يجرى لا يكون القاضي موجوداً فيه الا في الجرائم المشهودة مثل جرائم القتل وبالتالي تتواصل الضابطة العدلية مع القاضي وتزوِّر في بعض الأحيان كلام المحتجز، ويكون معظم القضاة في هذه الحالة مشغولون باتصالات وشؤون كثيرة في عملهم فيُأخذ بكلام مندوب الضابطة العدلية من دون أن يتأكد من صحة الأقوال المنسوبة الى المحتجز”.

وفي سياق مشابه، أكدَّ المحامي أيمن طراد لـ “لبنان الكبير” أنَّ “أهمية المادة 47 أ.م.ج ظهرت بعد أحداث السابع عشر من تشرين عام 2019 ما كرَّس وثبتَّ أكثر وجود المحامي في التحقيقات الأولية والتي مهدت لمسار جزائي طويل يبنى عليه أمام قاضي التحقيق وأمام المحاكم، والمحامي هنا يبذل مجهوداً هائلاً ليعدل الأخطاء التي حصلت ويصححها بوجود الضابطة العدلية، اذ كان يصدر التحقيق من دون تسجيل تدخل المحامي ولو سمح للمتهم بالاتصال به الا أنه يمنع دخوله”.

شهدت حقوق المحتجزين في لبنان، عدة محطات نضالية ومراحل تعديلية في وقت كانت هذه الحقوق تنتهك بحكم العرف السائد قانونياً وعلانية، فبحسب ما نشر قاضي التحقيق في بعلبك حمزة شرف الدين في كتابه “التعذيب في لبنان: ما بين الواقع والمرتجى” كانت هناك مظاهر وسلوكيات تشير الى التعرض الفاضح لحقوق الموقوقين أبرزها: عدم السماح التلقائي للمحامين بحضور التحقيقات الأولية سواءً بقرار من بعض المدعين العامين أو بقرار من القطعة القائمة بالتحقيق أو من رتيب التحقيق، والتحجج بوجوب الاستحصال على إذن من النيابة العسكرية للدخول الى المراكز العسكرية أو التذرع بعدم التمكن من التواصل مع المحامي أو المماطلة في الاتصال به كسباً للوقت والمباشرة بالتحقيق، اضافة إلى اكراه الموقوف على الكلام فيما يحق له التزام الصمت فيه وعدم تدوين فعل الاجبار في المحضر، وتفتيش الهواتف من دون إذن قضائي خلافاً لقانون سرية المخابرات وعدم توفير الاستجوابات بالصوت والصورة، لعدم توافر الامكانات التقنية.

وبحسب المحامي بشير “في فترة حكم النظام السوري للبنان سحبت المادة 47 أ.م.ج من المجلس النيابي بطلب من النظام وبعد خروجه من لبنان أيد النظر في إقرارها وتطبيقها، فأقرت من دون تطبيقها الا في أحيانٍ قليلة وكانت فئة كبيرة من المحققين تسخر من بنودها لأن العرف الذي تركه النظام السوري بعقليته القانونية القمعية والاستباقية عن سوء في التعاطي مع الموقوفين والمحتجزين تقضي باعتبارهم مدانين حتى تثبت براءتهم وليس العكس، من دون أن يقولوا لهم حقوقهم أثناء التوقيف بل ويتم التمادي في الكثير من الأحيان بالاهانات وضرب المحتجزين الذين لا يعرفون حقوقهم في هذا الشأن، وهذا الأمر لا يزال قائماً حتى الآن وهذه السلوكيات لا تنسف مضامين المادة 47 أ.م.ج وحسب، وإنما تطيح كل أسس شرعة حقوق الانسان”.

ينبغي دائماً أن تقوم الأجهزة الأمنية باحترام تطبيق المادة 47 أ.م.ج عبر التقيد بالاجراءات والمهل القانونية بمنهجية تحقيق موضوعية وسلمية، اضافة الى مواكبة وزارات الدفاع والداخلية والعدل تنفيذ القوانين واتخاذ السبل المانعة لاحالة المخالفين على القضاء المختص واستمرار نقابة المحامين في توثيق التعاون لمراقبة الانتهاكات ومنعها بموجب القانون.

وشدد طراد على أنَّ “الأهم أن تطبق هذه المادة في تكريس أبسط حقوق الموقوف بالسماح له بالاتصال بأقربائه وأن يقابلهم والسماح للطبيب الشرعي بالكشف عليه في حال حصول أي انتهاك، ويكون الاجراء الأول بمحاسبة المخلين في القوى الأمنية محاسبة حاسمة وباستجابة القضاء لاقرار محاسبتهم”.

شارك المقال