في عصر التكنولوجيا… تقليص ساعات استخدام الهاتف مستحيل؟

تالا الحريري

في اقتراح مسبق لهيئة تنظيم الفضاء الالكتروني في الصين، طلبت تحديد استخدام الأطفال، الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، للهواتف الذكية ساعتين في اليوم كحد أقصى، وهذا ما تسبب بانخفاض أسهم شركات التكنولوجيا.

وأوضحت الهيئة أنه سيتعين على الشركات أيضاً وضع حدود زمنية بموجب الاصلاحات المقترحة. وسيُسمح للمستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً بساعتين في اليوم، وللأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً بساعة واحدة، في حين يُسمح للصغار دون سن الثامنة بثماني دقائق فقط.

ولكن اليوم في عصر التكنولوجيا والتطور السريع والمواكبة هل من الممكن أن يلتزم الأهل تجاه أطفالهم بهذه القرارات، وهل سيكونون قادرين على منعهم أو تحديد ساعات استخدامهم للهواتف الذكية خصوصاً أنّهم هم أنفسهم باتوا مدمنين عليها؟

في هذا الاطار، أوضحت الدكتورة في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ماريز يونس لـ”لبنان الكبير” أنّ “للتكنولوجيا والوسائط الرقمية وخصوصاً الهواتف الذكية ايجابيات وسلبيات، وفي كل الأحوال لا يمكننا الرجوع إلى الوراء ووقف عجلة الثورة الرقمية وما أحدثته من تطورات هائلة تقتضي مواكبتها. لكن هذه المواكبة يجب أن تكون بشروط وتحت اطار المراقبة والاشراف المباشر للأهل اذا كنا نتحدث عن استخدام الأطفال للهواتف الذكية”.

وقالت: “اليوم نحن نعرف أن هناك بعض الدعايات والترويج لأمور عدة لها أبعاد اجتماعية قد لا تتناسب أو تنسجم مع بيئتنا وثقافتنا وتربيتنا وقيمنا وهنا تكمن الخطورة. فاذا كان الطفل يتعرض بصورة مباشرة ومن دون أي اشراف أو محاسبة أو مراقبة للأهل لاستخدام الهواتف الذكية والساعات التي يقضيها أمامها، يمكن أن تخترق الألعاب والتطبيقات بعض المشاهد والدعوات أو الترويج لبعض السلوكيات التي تؤذي الطفل في العالم العربي أو لبنان خصوصاً، وتشكل خطورة على شخصيته وتخلق لديه تناقضات بين تربيته المحلية وتنشئته من أهله والمحيط وبين الصور التي تخترقه والقيم الوافدة من مصادر خارجية، فيغرق في تناقضات ومشكلات وصراع على مستوى القيم قد يؤدي به مستقبلاً إلى تشكيل خيارات لا تتفق مع قناعاته الذاتية أو مع قيم بيئته وأهله وهو ما يؤثر على نفسيته وتكوينه وتكيفه مع مجتمعه الأصل”.

ورأت يونس أنّ “الأطفال لا يمكن منعهم من استخدام الهواتف الذكية انما يمكن الحد من ساعات الاستخدام، لكنهم قد يتأثرون بسلوكيات الأهل التي يرونها اذا كانوا يطبقون القانون على أنفسهم أو لا. فاذا كان الأهل يستخدمون الهاتف بصورة دائمة وهم مدمنون كما نرى أكثر من أطفالهم، هذا سيبطل فاعلية قدرتهم على منعهم أو الحد من كثرة استخدامهم للهاتف، لأنهم النموذج الذي يقتدي به غالباً الأطفال ويقلدون سلوكياتهم. وإذا كانت هذه السلوكيات ايجابية وهم أنفسهم يمتنعون عن استخدام الهاتف أمام أطفالهم فهذا سيعزز قدرة الأطفال على الانضباط أمّا اذا كانوا العكس فلن تكون لقوانينهم أي فاعلية”.

وأكدت أن هذا الأمر “أصبح مستحيلاً من ناحية منع الأطفال، فنحن في عصر الثورة الرقمية وأصبحت التكنولوجيا تطال كل مجالات الحياة. أصبح هناك تعليم رقمي ومن الضروري استخدام التكنولوجيا والافادة من ايجابياتها بينما حين نتكلم عن الحد من السلبيات فيمكن أن نحد من ساعات استخدام الهاتف، وهو أمر مرتبط بمستويات عدة. اذا كان المنع على مستوى قانوني فيعني أن هناك تطبيقات وقوانين ملزمة من الدولة وهنا الحد من ساعات الاستخدام قد يكون أكثر فاعلية، واذا كان على مستوى الأهل فيعود إلى التنشئة الاجتماعية التي يعتمدونها. وبالتالي هذا يعتمد على طريقة التواصل مع الأطفال اذا كان هناك نوع من التربية التي تخضع لضوابط وكان الأهل مدركين وواعين لتأمين البديل عن الهواتف الذكية من خلال ابتكار أنشطة تفاعلية حضورية لتعزيز شخصية الطفل وتمكينها وتنميتها عبر التفاعل الحسي والروحي والتواصل المباشر خارج السوشيال ميديا. أمّا اذا كان أسلوب التربية تقليدياً يرتكز على المنع والتسلط والقمع فقط فمن المؤكد أنهم لن ينجحوا في اقناع الأطفال في الحد من استخدام الهواتف. قد ينجح بشكل ما هذا الأمر ظاهرياً لكن الحقيقة أنّ الأطفال سيستخدمون الهواتف بطريقة أو بأخرى”.

ومن الناحية التقنية، أشار خبير أمن المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي فريد خليل لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “هذا القرار قد يؤثر أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تقليل عدد ساعات المستخدمين عليها، فيخفف المعلنون اعلاناتهم لأنهم سيلاحظون أن تعرض المستخدمين قد خف. وقد يؤثر قليلاً على جماعة الهواتف الذكية لكن ليس بالقدر الكبير لأنه ليس مرتبطاً بساعات الأطفال فقط فالهواتف تستخدم للرسائل البريدية والكثير من الأمور الأخرى”.

وقال: “هذه ليست المحاولة الأولى للصين في الحد من ساعات تعرض الأطفال للهواتف والتطبيقات والألعاب الالكترونية. اذا تم تطبيق هذا القرار، فإنّ هناك صعوبة كبيرة في ضبطه ومن الصعب امتثال الناس له خصوصاً أننا في عصر التكنولوجيا والتطور ولس للأهل المقدرة الكافية على مراقبة أطفالهم بصورة كاملة. كما سيسبب مشكلات كثيرة لشركات الانترنت لأن هناك أموراً تتعلق بالحقوق. إذاً لا يجب منع بعض الأمور وتحديداً اذا كانت لا تضر بالمصلحة الوطنية وهذا يمكن أن يسبب مشكلات قانونية في البداية”.

أضاف خليل: “بالنسبة الى شركات الانترنت تقنياً، فإنّه ليس سهلاً منع الكثير من التطبيقات. مجرد طرح هذا الموضوع أحدث بلبلة في أسهم شركات الهواتف الذكية وأسهم التطبيقات خصوصاً التطبيقات الكبيرة لكن حتى الآن لم تتأثر بعد”.

وأوضح أنّه “في حال طبق الاقتراح وانتشر في دول عدة، بالطبع يمكن أن يضر لأن استخدام الهواتف يصبح أقل، ما يعني أن الصرف سيتجه إلى أمور أخرى، وعندما تذهب استثمارات الناس إلى أمور أخرى بطبيعة الحال سيؤثر ذلك على شركات الهواتف الذكية وسيخف الطلب على الهواتف”، لافتاً الى أن “أسهم التطبيقات ستنخفض في حال فرض هذا الموضوع وانتشر إلى أبعد من الصين، لأن هدف التطبيقات جعل المستخدمين يقضون أكثر وقت عليها. فكلما أمضى المستخدم وقتاً أكثر، تشجع المعلن على أن يقوم باعلانه على هذه التطبيقات، التي ترتكز على عدد مستخدمين كبير وعلى وقت كثير”.

شارك المقال