زيت الزيتون… من رفيق الموائد الى “شم ولا تدوق”

نور فياض
نور فياض

تعتبر أشجار الزيتون من تراث الساحل اللبناني، وثروة وطنية لا غنى عنها، كما أن زيتها يعتبر دواء لأمراض مختلفة الا أن سعره الحالي يصيب المواطن بأمراض لطالما كان الزيت دواءها. عوامل عدة طرأت على هذا الموسم كما سابقه جعلت المزارع والمستهلك ضحيتي الغلاء الفاحش وتحديداً ارتفاع كلفة اليد العاملة، ما جعل عدداً لا يستهان به من العائلات عاجزاً عن شراء “تنكة” زيت الزيتون، الذي كان رفيق الموائد ومن الأساسيات وتحوّل الى كماليات بعدما باتت أسعاره خيالية وتتحرّك صعوداً كالبورصة، أو يخلط بزيت نباتي ليكفي طيلة السنة.

من المعروف أن تشرين هو شهر القطاف والحصاد، فكيف هي الحال جنوباً على أبواب بداية الموسم؟

يؤكد رئيس تجمع مزارعي الجنوب محمد الحسيني عبر “لبنان الكبير” أن “النتاج هذه السنة قليل، فأشجار الزيتون لا تحمل ثماراً كافية على عكس السنة الفائتة، فالزيتون موسم يكون وافراً والتالي ضئيلاً”، موضحاً أن “طريقة العناية بالزيتون في لبنان تختلف عن الخارج، فهنا لا تسقى الأشجار بل تحمل على بعل اما في الخارج فتسقى مرتين وأكثر، كما أنها في لبنان لا تفلح. اما طريقة القطاف فخاطئة جداً، اذ يستعمل العمال الخبيط، يضربون الشجرة ما يؤدي الى كسرها وتأخرها في تزهير براعم جديدة وعندما يحين موعد زهرها يكون قد انتهى الموسم. وبالتالي نحن نعاني مع الزيتون من العناية الى العصر حتى التخزين، ونفتقد ٢١ خطوة يجب أن تطبّق للحفاظ على الأشجار والموسم”.

ويشير الى أن “الزيتون زراعة تقليدية تفتقد العناية مع العلم أنها أكبر زراعة في لبنان، اذ لدينا أكثر من خمسمائة وأربعين ألف دونم زيتون، لذا يجب تغيير طريقة العناية. ونجد أيضاً مشكلة في تصريف الانتاج لدى المزارعين، فمحصولهم لا يحرز أن يتكلفوا عليه، اضافة الى ارتفاع كلفة اليد العاملة”، لافتاً الى أن “هذه الزراعة عائلية بإمتياز، فمن يملك عائلة كبيرة كان يزرع التبغ وزراعات أخرى من ضمنها الزيتون وبالتالي اليد العاملة مجانية، أما اليوم فلا وجود كبيراً للعائلات، وأدى ذلك الى استقطاب يد عاملة تتقاضى بالدولار. هذه العوامل تسبب انحساراً للزيتون، كما أن غالبية زارعيه تزرعه كي لا تبقى الأرض قاحلة (بور)، واليوم هؤلاء يزرعون الخرنوب الذي يختلف بدوره عن الزيتون، اذ انه يثمر من دون ري معتمداً على مياه الشتاء ومطلوب جداً للخارج وخصوصاً للصناعات الغذائية والدوائية وقطافه سهل. اما الزيتون فصحيح أنه بدأ يصدّر الى الخارج لكن تصديره لا يزال خجولاً”.

وفي ما يتعلق بدعم الدولة، يقول الحسيني: “كانت وزارة الزراعة تدعم الموسم عبر الندوات وارسال الشتول والأدوية انما بسبب الأزمة الاقتصادية، لم تعد تستطيع تحمّل هذه الاعباء”.

وعن الأسعار، يعتبر أن “من الطبيعي أن يكون سعر التنكة مرتفعاً هذه السنة، فالنقص في السوق يؤدي الى ارتفاع الأسعار وفق عملية العرض والطلب”، مذكرا بأن “السعر في السنة الفائتة كان يترواح بين ١٠٠ و١٢٠ دولاراً، اما اليوم فمن المتوقع أن يزداد بنسبة ٢٠% نظراً الى العوامل المذكورة أعلاه.”

ويؤكد أحد تجار الزيتون والزيت في الجنوب وتحديداً منطقة العرقوب لـ”لبنان الكبير” أن “لا موسم وافراً هذه السنة، وتتفاوت نسبة الحمل بين المناطق لتتراوح بين ١٠% الى ٣٠% وقد تصل الى ٤٠%، على عكس الموسم الفائت الذي كان النتاج فيه وافراً جداً، وصدّرنا آنذاك ما يقارب ٤٠ ألف تنكة الى اسبانيا وايطاليا، اما محلياً فنحن نبيع الزيت الى النبطية، الخيام، كسروان، الجبل وحتى بيروت”، مشيراً الى “أننا لا نضع الأسمدة والكيماوي تحت أشجارنا، فهي تحمل على بعل فقط، وفي كل سنة نحصل على الميدالية الذهبية نسبة الى جودة الزيت.”

وعن المشكلات التي يعاني منها القطاع، يوضح أن “أجرة العمال تزداد نتيجة الوضع الاقتصادي المزري، فالعامل يطلب ١٥ دولاراً من الساعة السابعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر مع استراحة، وغالبيتهم أجانب وافدون من خارج المنطقة ويسمّون عمالاً موسميين. وفي ما يتعلق بالمازوت، ارتفع سعره ثلاثة أضعاف عن السنة الماضية كما أن لا مساعدات للمعاصر حتى الآن، بينما السنة الماضية قدّم أحد المسؤولين المازوت لها لتخفيف الأعباء على المواطنين. وبالتالي اليوم زادت التكاليف ٥٠٠% ولا نعرف كيفية استرجاع كلفة الموسم الذي نعتاش منه”.

وعن الدولة، يقول: “الدولة ناسيتنا، ووزارة الزراعة لم تقدّم لنا شيئاً هذا الموسم”. ويطلب من البلديات “أن تنظم اليد العاملة وتحدد كلفة أتعابها بالليرة اللبنانية، فالأسعار نار والاتكال على الله”.

على الرغم من أن زيت الزيتون اللبناني حصد جوائز عالمية، الا أنه يحصد في لبنان المعاناة فقط. والمواطن اليوم على موعد مع التخلي عن زيت الزيتون رفيق الموائد، بعدما تخلى عن أساسيات كثيرة جراء الأزمة الاقتصادية، وربما يلجأ الى حيلة جديدة، فيخلط الزيت النباتي مع ما توافر لديه من زيت الزيتون وهذا ما قد تفعله الطبقة الوسطى، اما الفقراء فكما يقول المثل “شم ولا تدوق”. فهل بات زيت الزيتون سلعة نادرة حكراً على الأغنياء، بعدما بات سعره يفوق ضعفي راتب الموظف في القطاع العام؟

شارك المقال