وسائل التدفئة كلفتها “نار”… وحرائق مفتعلة لقطع الأشجار

نور فياض
نور فياض

دخلت البلاد في الطقس المتقلب القصير الذي يهيمن على منطقة الشرق الأوسط، حاملاً معه أمطاراً غزيرة تختلف بين منطقة وأخرى وهذا أمر طبيعي في مثل هذا الوقت من السنة، لكنه لا يتطلب تدفئة، فلا تزال الحرارة معتدلة. وصحيح أننا لم ندخل بعد في فصل الشتاء، انما التحضيرات له بدأت.

في السنوات الأربع الماضية، أي مع بدء الأزمة الاقتصادية تخلى اللبناني عن أساسيات عدة، مواجهاً فصل الشتاء بتقنيات وعادات جديدة، ومع الارتفاع المستمر في سعر صفيحة المازوت العنصر الرئيس في التدفئة، لجأ الناس الى جفت الزيتون مؤخراً، والى الحطب المتعدد الأنواع. فكيف هي الحال هذه السنة جنوباً؟

يقول ربيع حوراني أحد تجار الحطب عبر “لبنان الكبير”: “بسبب ارتفاع تنكة المازوت، كثر الاقبال على الحطب المخلوط أي الذي يحوي على أنواع عدة من الأشجار والليمون. اما السنديان فغير متوافر نسبة الى عدم اعطاء الرخص لقطعه.”

وعن الأسعار، يشير الى أن “سعر المتر للحطب المخلوط يبلغ ٧٠ دولاراً، اما الليمون فيصل الى ١٠٠ دولار، وترتفع هذه الأسعار كلما انخفض الدولار لنحمي أنفسنا”، لافتاً الى أن “بعض الناس يقص الأشجار في بساتينه ليستعملها خلال الشتاء ونسبته قليلة. اما نحن كتجار، فنشتري البستان ونقطع الأشجار وهذه العملية تتطلب رخصة من وزارة الزراعة وخصوصاً اذا وجدت فيه أشجار لها أثر بيئي سلبي، فيما الليمون ليس بحاجة الى رخصة.”

ويوضح أن “هنالك اقبالاً كثيفاً على الحطب ما جعل الكمية المتبقية قليلة، فبعد أقل من شهر قد تكون نفدت”، مؤكداً أن “الأرباح ضئيلة فهي تكفي فقط لاسترجاع كلفة البستان.”

كان لبنان يتميّز بمساحته الخضراء وأشجاره التي تقلّصت بسبب قطعها والحرائق التي منها طبيعية ومنها مفتعلة، وهذه الظاهرة لوحظت مؤخراً بسبب الحاجة الى الحطب للتدفئة شتاء، وهذا له آثار بيئية سلبية.

في السياق، تؤكد نجاة فرحات عضو في “جمعية الأرض” عبر “لبنان الكببر” أن “لبنان الأخضر لم يعد كذلك، فمنذ سنوات كان المتبقي من المساحات الخضراء ١٣%، اما اليوم فلا أعرف النسبة الدقيقة انما من المؤكد أنها تقلّصت كثيراً لعدة عوامل منها، قطع الأشجار لبناء المصانع والبنايات أو لاستعمالها للتدفئة”، لافتة الى أن “بعضهم يفتعل الحرائق للحصول على الأشجار للتدفئة نظراً الى الوضع الاقتصادي الصعب الذين يمرّ به، والبعض الآخر يطلب رخصة من وزارة البيئة لتشحيل الاشجار انما بدلاً من التشحيل يقطعها وعلى الأرجح لا يعيد زرعها. وهنا مسؤولية وزارة الزراعة والرقابة.”

وتشير فرحات الى أن “الليمون من الفاكهة التي يتميّز بها لبنان، وسنصل الى مرحلة نستوردها، اما بقية الأشجار التي تقطع فهي أولاً تشوّه المناظر الطبيعية التي نتغنى بها،، وتؤدي الى انجراف التربة، وارتفاع في درجات الحرارة، وهجرة الطيور وتشرّد العديد من الحيوانات التي تبيت في هذه الأشجار، وينتج عن هذا الفعل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. اذاً بقطع الأشجار نفتقد التنوع البيولوجي”، متسائلة: “هل بعد قطع الأشجار، يعاد زرع النوع نفسه؟ اذ ان كل أرض تحتاج الى اعادة زرع النوع نفسه ولا يمكنها استقبال أشجار هجينة، وكم من الوقت ستستغرق الشجرة لحمل الثمار مجدداً؟”.

وتعتبر أن “الغابات والأحراج التي يوجد فيها حراس هي الأكثر انضباطاً وحفاظاً على ما تبقى من المساحات الخضراء”، موضحة أن “العديد من الناس يحبون الزرع ويهتمون به، الا أننا نجد في المقابل من لا يبالي بالأشجار المعمّرة أو أي نوع آخر، فيحرقها، ويقطعها للتدفئة بحجة أن وضعه الاقتصادي لا يسمح له بشراء احدى وسائل التدفئة”.

وتضيف فرحات: “الشعب اللبناني يقبل برؤية النفايات أمام منزله ويقبل بقطع الحطب والتمتع بالمناظر الطبيعية المشوّهة، ناسياً التربية المدنية التي تربينا على مفهومها: ازرع ولا تقطع، لتصبح اقطع ولا تزرع. بناء على ذلك، يجب تفعيل دور الوزارات المعنية، زيادة عدد حراس الأشجار وعدم ادخال الوساطات، كما يجب تفعيل دور البلديات المسؤولة المباشرة والسلطة المحلية من خلال المراقبة عبر شرطة البلدية، وايضاً من الحلول التي يمكن اتبعاها التشجير. بينما الجمعيات لا يمكنها أن تقف في وجه المواطن انما يمكنها ايصال الصوت فقط”.

ومن الحلول التي يمكن أن نلجأ اليها أيضاً للحفاظ على البيئة، بدائل الحطب كقرص الصنوبر، وجفت الزيتون الذي يعطي حرارة ١٠% أكثر من حطب السنديان وغيره. كما أن هذه البدائل ينبعث منها أوكسيد الكربون بنسبة أقل بكثير من الحطب”، وفق ما يقول كارلوس صاحب مصنع انتاج هذه البدائل في بعلبك.

نتذمّر من درجات الحرارة العالية، وحتى المتدنية، وهذا لا يعني أننا شعب يحب النكد والنق، لكن في كلا الفصلين لا نملك الأساليب التي تمحو هذا التذمر، فلا كهرباء للمكيفات في الصيف، ولا كهرباء للمدافئ في الشتاء، وحتى الحطب المشوّه للبيئة ليس بمقدور العديد من المواطنين شراؤه، والغاز سعره غال أيضاً. اما المازوت فهو لمن استطاع اليه سبيلاً أولاً بسبب غلائه المستمر وثانياً لأنه كما يقول البعض يهرّب عبر المعابر غير الشرعية الى البلاد المجاورة اذ يزيد من نسبة الارباح، فإذا صحّت هذه المعلومة سيصبح المازوت يباع في لبنان في السوق السوداء. فهل الدولة ستتحرك لضبط المعابر وضبط الاسعار؟

شارك المقال