الصحة النفسية للبنانيين “مقلقة جداً”… والشباب الأكثر تأثراً بالاضطرابات

منى مروان العمري

يكابد اللبنانيون ظروفاً نفسية صعبة على وقع الأحداث التي يعيشونها والحروب التي مرّوا ولا يزالون بها، عدا عن الانهيار الشامل الذي يشهده البلد منذ فترة طويلة، إذ لم تقتصر تبعات الأزمة على تدهور السلامة الصحية والعقلية والبدنية وحسب، بل أدّت أيضاً إلى تهالك صحتهم النفسية. وما يزيد من التوتر والخوف لديهم اليوم، متابعتهم تطورات الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة “حماس”، والتصعيد على الحدود الجنوبية للبنان في ضوء احتمال دخول “حزب الله” الحرب وعواقب ذلك على بلدهم الغارق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية. فالخوف والقلق والعصبية، جميعها مؤشرات تضرب خطاً من الخطوط الحمر على صعيد السلامة النفسية للشعب اللبناني.

ويعدّ اللبنانيون من بين أكثر 10 شعوب توتراً وحزناً في العالم، وفقاً لتقرير غالوب العالمية للمشاعر عام 2021، الذي أظهر أن “المشاعر السلبية، مع تصاعد صعوبات الحياة في لبنان، ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الاطلاق”، وتبين أن “كل ثلاثة أشخاص من أصل أربعة يعانون من التوتر والاجهاد طوال اليوم، وأن نصف سكان لبنان أيضاً يعانون حالات كثيرة من الحزن والغضب”، ما يستدعي أخذ جرعات من الأدوية والمثبطات لتجميد تلك الاضطرابات لا علاجها. وخير دليل على ذلك، ازدياد استهلاك مضادات الاكتئاب والمهدئات بنسبة 20% عام 2020 وفقاً لمصادر طبية، علماً أنّ دراسة أُجريت في الجامعة اللبنانية أظهرت أن قرابة 17% من اللبنانيين يعانون من إكتئاب شديد منذ انفجار مرفأ بيروت.

ووفق إحصاءات بشأن الاضطرابات النفسية لدى اللبنانيين، وصفت مصادر طبية من قسم الطب النفسي في مستشفى “أوتيل ديو” الجامعي في بيروت، وضع الصحة النفسية للمواطن اللبناني بـ”الخطير والمقلق جداً”، مؤكدة أن الأمراض النفسية منتشرة جداً في العالم عموماً وفي لبنان خصوصاً، نظراً الى الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية.

وبحسب المصادر فإن “25% من الشعب اللبناني يعانون اضطراباً نفسياً ما، كالاكتئاب أو الفصام أو الادمان أو غيرها من الأمراض النفسية التي كثرت في الأعوام الماضية، و20% من هؤلاء مرّوا مرة واحدة على الأقل بحالة اكتئاب”.

وأشارت المصادر الى أن “حالات الاكتئاب والأمراض النفسية قد تؤدي في بعض الأحوال إلى الانتحار، لكن لا إحصاءات رسمية في لبنان تشير إلى الأرقام الدقيقة، إنما هناك دراسات خاصة أكدت أن في لبنان حالات انتحار تؤدي إحداها إلى الموت كل 3 أيام”.

ولمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، أوضحت طبيبة متخصصة بالأمراض النفسية والعقلية لموقع “لبنان الكبير” أن “اضطرابات الخوف والقلق والاكتئاب بشتى أنواعها بالإضافة إلى الانهيار العصبي الحاد، هي من أبرز المشكلات التي يعاني منها اللبنانيون في هذه الفترة، فالأوضاع والأجواء المحيطة كاحتجاز الودائع وانهيار العملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية السياسية بالاضافة إلى الأعباء المادية وغيرها هي من الأسباب الأساسية التي تدفع الأفراد للوصول الى هذا المستوى المتدني من السلامة النفسية والعقلية”.

وأشارت إلى أن “فئة الشباب هي الأكثر تأثراً بهذه الاضطرابات كونها الفئة المستهدفة لبناء مستقبل في بلد لا يملك أدنى مقومات العيش الآمن، فالتشتت الذهني المحيط بها نتيجة قلة الوظائف وعدم الاستقرار وارتفاع الأعباء المادية دفعتها الى الإنهيار النفسي بصورة ملحوظة عدا عن المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب كالتفكك الأسري والضغوط اليومية”.

ورأت أن “الأجواء العامة اليوم التي قد تدل على وقوع حرب في لبنان جراء الأحداث الأخيرة في قطاع غزة تضع اللبنانيين أمام مواجهة واقع أليم لا مفرّ منه ما سيزيد من ضغوطهم أكثر ويحمّلهم أكثر من طاقتهم، وقد لاحظنا هذا مؤخراً في المستشفيات التي نعاين فيها المرضى الذين يشعرون بعوارض جسمية كالتسارع في دقات القلب أو ارتفاع الضغط أو حالات الاغماء نتيجة ما يعيشونه من حرب نفسية تقضي على سلامتهم شيئاً فشيئاً”، مؤكدة أن “اللبنانيين لا يملكون قدرة على التحمّل إطلاقاً ونحن في أزمة حقيقية سواء أزمة تحيط بالمرضى أو أزمة في القطاع الطبي لافتقاره الى القدرة على تلبية احتياجاتهم الطبية كافة”.

وقالت أخصائية في أمراض الدماغ والأعصاب لموقع “لبنان الكبير”: “ان الشعب اللبناني يعيش اضطرابات عصبية ونفسية كثيرة سببها الأول والأساس افتقاره الى العيش الآمن والسلامة العامة والاستقرار بكل أنواعه، عدا عن الخوف والقلق والأرق التي تصاحبنا يومياً سواء من ناحية خوفنا على أهلنا في ظل وجودهم في بلد لا يضمن لهم حق شيخوختهم، وقلقنا على أطفالنا في كيفية تأمين حياة كريمة لهم وما إذا كنا قادرين على إكمال تعليمهم في المراحل اللاحقة كحق أساس لهم”.

وشددت على أن “الاضطرابات النفسية الى ازدياد أكثر وخصوصاً في صفوف من يتولون مهمة معالجة المرضى والذين أصبحت لديهم حاجة إلى من يعالجهم أولاً”.

أما في ما يتعلق بنظام الرعاية الصحية نفسه، فيجب أن تكون هناك حملات يسهل على غير الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي ومن يعانون من وضع إجتماعي واقتصادي متدنٍ الوصولُ إليها؛ ويمكن لهذه الحملات أن تضع ضمن خططها الظهور على القنوات الاخبارية المحلية، وهي القنوات التي يتابعها مشاهدون من مختلف الديموغرافيات.

كذلك يجب أن تتضمن الحملات التوعوية التي تدشنها هياكل الدولة توعية حول استراتيجيات المواجهة والوقاية التي تقدم وتطبّع ثقافة الرعاية غير الرسمية، قبل وصول الأفراد إلى اضطرابات الصحة العقلية التي تتطلب دخولهم المستشفى. وعند هذه النقطة، يجب إنشاء نظام إحالة فعاعل، من شأنه أن يوسع الروابط التي بناها فريق عمل الدعم النفسي والاجتماعي والجهات الفاعلة من المجتمع المدني، وذلك لضمان أن يتلقى الأفراد رعاية مستمرة.

شارك المقال