حريق سوق “البالة” في طرابلس يكشف الفوضى وضعف الامكانات

إسراء ديب
إسراء ديب

استفاق الطرابلسيّون على حادث مفجع وقع في منطقة الجسرين – حارة البرانية، حيث اندلع ليلاً حريق هائل دمّر بسطات “البالة” وهدّد المنازل المحيطة بجوار هذه المنطقة التي تُعاني من الفقر المدقع الذي ينهش حياة المئات من العائلات التي واجهت هذا الحريق المدمّر بصدمة غير متوقّعة اذ لم يشعروا بحدوثه واقترابه منهم، إلّا بعد قيام البعض بإطلاق الرصاص الطائش عشوائياً لدفع النائم إلى الاستيقاظ، والمستيقظ إلى المساعدة منعاً لحدوث أيّ ضرر يُلحق الأذى بالقاطنين أو بالسيارات المركونة في المنطقة، وللتخفيف من حدّة الخسائر وعدم مضاعفتها.

في الواقع، ارتدت المنطقة التي تقع فوق نهر أبو علي الزيّ الأسود، بعد تفحم بسطاتها وبضاعتها، كما بعد تأزم حال مئات من العائلات الفقيرة التي تعوّل على هذا المكان معيشياً، بحيث يُكرّر الكثير من البائعين المستائين من هذا الحادث الأليم جملة “إذا عملنا نأكل، وإذا لم نعمل، لن نأكل قطعاً”، الأمر الذي يُشير إلى صعوبة الظروف المادّية التي ضربها هذا الحريق الذي يُقال انّه مفتعل حيناً، ثمّ يُقال انّه قضاء وقدر حيناً آخر.

الحريق مفتعل وناتج عن إشكال؟

توضح معطيات “لبنان الكبير”، أنّ الجهات المعنية باشرت فعلياً تحقيقاتها التي لا تزال مستمرّة، في ظلّ تأكيد مصدر متابع للحدث أنّ “الحريق مفتعل وناتج عن إشكال سبق عملية الاشتعال” التي شارك في إخماد نيرانها الدفاع المدني (مع العلم أنّه يُواجه أزمات عدّة وثغرات تُنقص من جودة عمله وتدخلاته)، لذلك تمّ استدعاء آليات من المنية، العبدة، سير الضنية، بخعون، أبي سمراء أيّ من كلّ ضواحي طرابلس إضافة إلى زغرتا، إهدن، البترون، جبيل وبيروت، كما شارك الدفاع المدني الفلسطيني من مخيّم البداوي في إخمادها أيضاً، فيما “لم يلعب فوج الاطفاء دوره بحيث وصل عناصره متأخرين لاثبات وجودهم لا أكثر”، حسب المصدر.

يُمكن القول إنّ تدخل الدفاع المدني – طرابلس لم يكن سهلاً أبداً، ويؤكّد عناصر لـ “لبنان الكبير” أنّهم واجهوا صعوبات عدّة تعرّضوا بسببها إلى خطر الاحتراق والموت، منها: اهتراء الآليات الموجودة وهي محدودة وقد استُخدمت آليتان لاطفاء الحريق مع أنّهما تُسرّبان المياه أيّ أنّهما لا تصلحان للانقاذ، كما أنّ مشكلة فقدان المياه كانت من أبرز المشكلات التي عطّلت العمل بصورة واضحة، بحيث تورط العناصر في البحث عن المياه من شركة إلى أخرى، ومن محطّة بنزين إلى محطة، لايجادها، الأمر الذي دفع المديرية إلى طلب دعم من مناطق خارجية. كما واجهوا مشكلة أخرى تكمن في عدم تمييز المواطنين بينهم وبين فوج الاطفاء، الأمر الذي كان ثقيلاً عليهم، لا سيما وأنّ الرقم المستخدم للاطفاء لا يعمل مع تعطّل عمل الفوج، “ولو كان يعمل لما احتجنا الى مساعدة خارجية”، إضافة إلى قيام بعض المواطنين بتهديد عناصر الدفاع المدني بالسلاح والتحدّث بطريقة غير لبقة معهم نظراً الى اعتقادهم أنّهم “يصنعون المعجزات بسرعة”، وهذا ما دفع بعضهم إلى الحديث عن تأخر عناصر الدفاع المدني عن عملهم، وهو ما ينفيه الأخير تماماً، “ولكن التأخير كان بسبب شح المياه وطلب الدعم بحيث عمل أكثر من 60 عنصراً لإطفاء الحريق”.

إلى ذلك، لا يُخفي المصدر صدور أصوات غريبة خلال اندلاع الحريق تُشبه أصوات المفرقعات، وهي أصوات كان رصدها عنصر من الدفاع المدني أيضاً، والذي يُشير إلى أنّ “العناصر كانوا أزالوا كراتين من الحبوب والحشيش التي حُرق بعضها فيما أخذ بعضها الآخر للتخلّص منها، مع وجود جرّات للغاز في المكان أيضاً نظراً الى تداخل أسواق الثياب ببسطات الخضار المتوسّعة”.

ويقول متابع آخر لـ “لبنان الكبير”: “قيل في بداية الأمر إنّ الحريق ناتج عن ماس كهربائي، وبالتأكيد التحقيقات ستُثبت ذلك أو تنفيه، لكنّ المستجدّات تُؤكّد أنّ أصوات أسلحة وذخائر سمعت قبل اشتعال النيران، وقد يكون الحريق ناتجاً عن إشكال فرديّ أدّى إلى عملية الاشتعال، في ظلّ عوامل إضافية أسهمت في توسّع النيران وانتشارها بطريقة جنونية وغير متوقّعة كوجود جرّات غاز، مولّدات كهربائية، إضافة إلى التيّار الهوائي…”. ويشير الى أن “الأزمة لا ترتبط بالحريق الذي سبق واندلع في وقتٍ سابق وتحديداً عام 2019 فحسب، بل ترتبط بحجم الفوضى والعشوائية الكبيرة في منطقة يراها البعض بأنّها مشبوهة مع كمّية مخالفات لا يُستهان بها”.

إنّ المساحة التي ضربها الحريق، حيث تنتشر “البالات” للثياب والأدوات المنزلية، كما بسطات معروفة للخضار والفاكهة، فتحت ملفاً قديماً – حديثاً لم تنتهِ تداعياته حتّى هذه اللحظة والمرتبطة بمشروع “إحياء الارث الثقافي”، إذْ كانت توسّعت هذه البسطات تزامناً مع المشروع الذي بدأ منذ العام 2005 بعد إقراره من بلدية طرابلس حيث بني هذا السقف فوق النهر، الأمر الذي فتح حينها سجالات وجدالات بين أوساط المدينة التي رفضت هذا الموضوع أو ناصرته، والذي رأى كثيرون أنّه “يُشوّه” المدينة، في وقتٍ كانت تنتشر فيه هذه البسطات التي يُعدّ معظمها “مخالفاً” للقانون حسب أحد المصادر البلدية.

ويُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ “نسبة المخالفات في المنطقة تصل إلى 90 في المئة بوجود بسطات فرضت بقوّة زعامات أعطتها الضوء الأخضر للانتشار والترسخ في المنطقة من دون إشراف أو موافقة، ما غيّر في النظام الهندسي ووجهة استخدام هذه المساحة التي لا تتحمّل البلدية مسؤولية ما حدث فيها، مع 10 في المئة من الملتزمين بالمخطّط الذي وضعته البلدية لهذا المشروع الذي لم يُستكمل كما يجب حسب تقارير بلدية طرابلس التي كانت ترغب في تنفيذ المخطّط الذي يتضمّن ضمن بنوده أهمّية الحفاظ على السلامة العامّة مع تحديد نقطة حرس، لكنّ البلدية قامت بإزالة المخالفات عام 2016 وسلّمت عقود الايجار للبلدية حسب الداتا الموجودة منذ العام 2008 بتنسيق أمنيّ، كما سلّمت المشاريع لأشخاص لم يلتزموا بعقود الايجار للبلدية التي أرسلت لهم بدورها إنذارات مختلفة، لكن لم يلتزم أحد بها قطعاً لا سيما مع غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية. وفي العام 2019 وبعد اندلاع الثورة تفاقمت الأوضاع سوءاً مع الفوضى، خصوصاً مع غياب العناصر البلدية”.

التعويض ممكن؟

وبعد الخسائر الكبيرة الواضحة أمام الرأي العام، إلا أنّ أيّ جهة رسمية لم تتمكّن (حتّى اللحظة) من تقدير حجم هذه الخسائر التي لا يُمكن تعويضها على كلّ المواطنين، فمن خسر بضاعته لن يتمكّن من تعويضها حالياً، لذلك تساءل الكثير من الطرابلسيين عن الدّور الذي ستلعبه الهيئة العليا للاغاثة التي من دورها تقديم المساعدة في ملفات عدّة لا سيما المرتبطة بالحوادث، لكن وفق مصدر مقرّب من الهيئة، فإنّها لن تتدخل في هذا الحريق تحديداً.

وإذْ يُشدّد على أنّ الهيئة تقوم بواجباتها للمساعدة محلياً، يقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ الحريق الذي يحصل قضاء وقدراً، من دون شكّ بوجود مفتعل، يُمكن للهيئة التدخل فيه، لكن قد يكون هذا الحادث مفتعلاً أو ناتجاً عن ظروف قائمة على الاهمال، وقد تكون هذه البسطات مؤمّنة أو حصل الحريق نتيجة خلاف، لذلك فإنّ التدخل من عدمه يتمّ عقب تحقيقات أمنية وقضائية وبقرار من مجلس الوزراء”.

شارك المقال