كارثة بيئية حتمية تنتظر غزة… ولا حلول سريعة

منى مروان العمري

تتسبب الحروب والنزاعات المسلحة عموماً بتدهور البيئة وتدميرها، وترصد التقويمات البيئية لفترة ما بعد النزاع أن التبعات التي تخلفها هذه الأضرار تستمر لسنوات أو عقود بعد أن تضع الحروب أوزارها، الأمر الذي يخلف آثاراً لا تُمحى تترك بصمتها على حياة المدنيين.

وفي خضم ما نراه اليوم في قطاع غزة، يتبين لنا أن الوضع الراهن يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على القضايا البيئية، كما أن الاحتلال الاسرائيلي يعد المعطل الأساس والعصا الرئيسة في دولاب التنمية والتطوير في شتى مجالات الحياة في القطاع.

تحذيرات من كارثة على الأبواب

على وقع الأحداث الجارية، حذرت وزارة الداخلية في غزة الاثنين، من كارثة إنسانية وبيئية في القطاع، بسبب وجود جثامين أكثر من ألف شهيد تحت أنقاض المنازل المدمرة، بفعل العدوان الاسرائيلي المستمر لليوم الثالث عشر على التوالي، مؤكدة أن هذا العدد من الجثامين سيرفع عدد الشهداء المسجلين لدى وزارة الصحة بصورة كبيرة، وينذر بكارثة بيئية وانتشار للأوبئة.

وأشارت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” الى أن “هناك دماراً غير مسبوق في غزة، واحتياجات النازحين تفوق طاقاتنا”، لافتة الى أن “سكان غزة يشربون مياها ملوثة”.

ودعت منظمة الصحة العالمية أيضاً الى ضرورة التسليم الفوري والآمن للامدادات الطبية والوقود والمياه النظيفة والغذاء وغيرها من المساعدات الانسانية إلى غزة عبر معبر رفح، محذرة من محدودية المياه والصرف الصحي في القطاع، لا سيما في المستشفيات، وانعكاس خطورة هذا الوضع على حياة المرضى بسبب العدوى وتفشي الأمراض.

أثمان كبيرة تُدفع.. البيئة إحداها 

وصف الباحث البيئي منير قبلان لموقع “لبنان الكبير” الحرب على قطاع غزة بأنها “حرب شعواء بكل أشكالها”، مشيراً الى أن “هناك كوارث بيئية بانتظارها بسبب هذه الحرب، وأولها تلك التي تقع على الانسان فالقنابل التي يطلقها العدو محرمة دولياً كالقنابل الفوسفورية وبمجرد أن تختلط هذه المادة مع الهواء تصبح مادة مشتعلة وبالتالي تبعث روائح سامة تسبب مشكلات صحية كارثية. وكل المواد السامة التي تحملها الأسلحة والذخائر تدخل إلى التربة وفي وقتٍ لاحق يظهر تأثيرها على المزروعات وتسممها، أما على صعيد مصادر المياه فان دخول هذه المواد الى التربة حتماً سيؤثر على المياه الجوفية والمياه الصالحة للاستعمال بصورة مباشرة”.

وأوضح أن “الكلام عن قطاع غزة باعتباره من أكثر البقع الجغرافية كثافةً في السكان ما يجعل التدهور البيئي أسهل وأسرع بسبب انهيار كل الهياكل والبنية التحتية”.

الجثامين تحت الأنقاض تلوث التربة والمياه

أما الخبير البيئي بول أبي راشد فقال: “عندما نتكلم عن البيئة فنحن نقصد الماء والهواء والتربة والضجيج، بحيث أن جثامين الشهداء الموجودة تحت الأنقاض والتي لم تتمكن الفرق المعنية من انتشالها حتى اللحظة تلعب دوراً في تلوث التربة والمياه ما يسهل عملية سرعة انتقال البكتيريا والجراثيم واختلاطها بالمواد السامة ويؤدي لاحقاً الى انتشار أوبئة وأمراض وبالتالي يصبح قطاع غزة أمام كارثة بيئية وإنسانية ضخمة جداً”.

وفي هذا الصدد، تعد البيئة أكثر القطاعات المتضررة جراء ممارسات الاحتلال تجاه قطاع غزة، فالحروب الشرسة والعنيفة التي شنت ضده على مدى سنوات والتي نشهد عليها اليوم، خلفت إرثاً هائلاً ومتراكماً من المشكلات البيئية المعقدة والمتداخلة، إضافة إلى الحصار الذي أطبق على أنفاس القطاع منذ أكثر من 15 عاماً، فحرمه أو أعاق تنفيذ العديد من المشاريع الاستراتيجية الكبرى في مجالات بيئية متعددة، كبناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي وتطويرها، ومحطات تحلية مياه البحر، وتطوير إنتاج وتوزيع الطاقة بصورها المختلفة، ومصانع إعادة تدوير النفايات الصلبة، وتطوير البنية التحتية والتطوير الزراعي وغيرها من مجالات التنمية البيئية.

خروق واضحة لكل الاتفاقات والقوانين

كل ذلك الضعف في الأداء البيئي الحكومي أنتج غياباً أو صعوبة تشمل تطوير القوانين والتشريعات والضوابط البيئية وتطبيقها ما فاقم المشكلات البيئية المرتبطة بالسلوكيات والممارسات البيئية المجتمعية.

وأكدت مصادر حقوقية أن “ما نشهده خرق لاتفاقية جنيف الرابعة الهادفة الى حماية المدنيين في منطقة الحرب مع ضرورة تقديم الدولة المحتلة التزاماتها ازاء السكان المدنيين وجميع الأحكام المتعلقة بالاغاثة الانسانية”، مشيرة الى أن “اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها تهدف إلى حماية المدنيين والبيئة أثناء النزاعات المسلحة. وبالنسبة الى حماية البيئة، يُعتبر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف واحداً من الأدوات المهمة، ويتضمن مواد تهدف إلى الحد من التأثيرات البيئية الضارة للنزاعات المسلحة، ويشمل ذلك: المادة 35 والتي تنص على تقديم الحماية للبيئة الطبيعية، بما في ذلك الموارد الطبيعية والحياة البرية، والمادة 55 والتي تمنع استخدام أسلحة تسبب تلوثاً واسع النطاق للبيئة، والمادة 56 وهي لضرورة تقديم مساعدة إنسانية في حالة تلوث بيئي جسيم بسبب النزاع والمادة 57 والتي تحظر استخدام أسلحة محددة تسبب تدميراً طويل الأمد للبيئة”.

شارك المقال