يوسف الأبيضاني … وجه غزة الحلو

منى مروان العمري

سرقت اسرائيل بحربها على قطاع غزة كل مقومات الحياة والعيش الآمن لسكانه وقضت على أحلام الكثيرين وسلبت الأطفال ملامحهم وابتسامتهم البريئة وحرمتهم من أدنى حقوقهم، وكل ما تبقى في الأذهان صوت الأمهات اللواتي فطر الحزن قلوبهنّ في البحث عن جثث أطفالهنّ هنا وهُناك، ومشاهد الأبرياء الدامية جرّاء القصف الوحشي على بيوتهم وسماع صراخهم يعلو من أوجاعهم. ونشاهد يومياً منذ بداية الحرب على القطاع صور مؤثرة لأطفال ونساء وشباب قضوا فيها، ولكن يبقى “أبو الشعر الكيرلي والأبيضاني الحلو” حديث الأمهات والخبر المأسويّ الذي تصدر عناوين المواقع كافة!

كلمات لن ننساها

“يوسف ابني عمره 7 سنين شعره كيرلي وأبيضاني وحلو”، بهذه الكلمات وصفت أم فلسطينية ابنها الطفل يوسف، للعاملين داخل أحد المستشفيات مع زوجها الطبيب حتى يساعدوها في البحث عنه لكنها فوجئت بأنه راح ضحية القصف الاسرائيلي.

وكانت الأم تبكي بحرقة وتتلهف للقاء طفلها كما ظهر في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمنت الأم ودموعها تملأ عينيها وقلبها يبتهل قبل شفتيها أن تنجح في العثور عليه لتأخذه في حضنها كما اعتادت، وأخذت تردد وهي تسير وراء زوجها الطبيب: “يا رب يكون موجود”، ليلتقوا خلال عملية البحث التي استغرقت 20 دقيقة، مصوراً أطلعهما على صورة الطفل وسألهما هل هذا الذي تبحثان عنه؟ فأجابته الأم بلهفة انه طفلها، ولكن جاء رد المصوّر صادماً لها اذ أكد أنه حمله داخل المستشفى. وذهب الأب والأم مع المصور وفوجئا بأن يوسف استشهد ولحق بأقرانه من أطفال غزة. وشعر الأب بالحزن الشديد وأخذ يردد “الحمد لله رب العالمين”، رافضاً أن يواسيه أحد على فقدانه طفله.

الوداع الاخير

روى والد الطفل الطبيب محمد حميد أبو موسى، تفاصيل أصعب يوم مر عليه في حياته، قائلاً: “يوم القصف 15 أكتوبر طلعت الشغل وحضنّي يوسف ونادى على أمه وأخواته وقالهم حضن عائلي نقف كلنا حاضنين بعض، ووصلت الشغل وبعد ساعتين سمعت صوت قصف والبيت مش بعيد كثير عن المستشفى”.

أضاف: “في يوم القصف اللي حصل على البيت كان عندي شغل طوارئ ٢٤ ساعة، يوسف كان دايماً يسأل عن مواعيد شغلي ويحسب لي امتى أروح وأي ساعة أطلع وأرجع البيت، وكل ما أطلع على الشغل يجي يحضني ويبوسني، وأول واحد كان يجي يجري علي لما أدخل البيت بعد الشغل، ويحضني ويبوسني”.

وتابع: “إحنا عارفين انهم بيضربوا أي حد وفي أي مكان قلقت لأنه الصوت من المكان اللي أنا ساكن فيه، بدأت أسأل فين القصف ومحدش بيجاوب، اتصلت على زوجتي أول مرة ما ردتش، المرة الثانية فتح الخط وسمعت صوت صراخ، فقدت أعصابي وطلعت أجري على الطوارئ، ولما دخلت سمعت صوت بنتي وأمها وحميد وهم بيصرخوا”.

وللطبيب أبو موسى وزوجته المصرية، ثلاثة أبناء الكبيرة جوري، وبعدها حميد والصغير يوسف.

صدمة كبيرة

حالة من الصدمة وعدم الاتزان أصيب بها الطبيب والد الشهيد يوسف عندما أخبروه أن طفله “الأبيضاني الحلو” في ثلاجة الموتى، فلم يتمالك أعصابه، وأثناء ذهابه الى المشرحة كان يدعو الله مرة أخرى أن يكون كل ذلك كابوساً وأن يكون طفله لا يزال حيّاً.

وأكد أنه لم يستطع أن يخبر والدته وأخويه، فابنه الثاني عندما عرف باستشهاد شقيقه أصيب بحالة من الانهيار العصبي، ووالدته كانت في حالة من الصدمة تجري هنا وهناك، وعندما عرفت بالخبر طلبت أن تراه قبل الدفن.

وأوضح أنه حاول كثيراً أن يقنعها بعدم رؤيته في هذه الحالة لكنها رفضت وأصرت، ولم يكن يعرف ماذا يفعل حين رأته وقبلته ولمسته لآخر مرة، قائلاً: “الوضع كان صعباً عليها وعلينا كلنا، الحمد لله على كل حال، والدته الله يصبرها كل ما نقعد مع بعض منقدرش نمسك حالنا، يوسف كان حبيب الكل، كل البيت بيحبه، في النادي بيحبوه، جده بيحبه الله يرحمه حبيبي”.

وأنهى حديثه بالقول: “أنا خسرت كل شي قرايبي وبيتي وحياتي ولكن الخسارة الأكبر هي ابني حبيبي يوسف، أحتسبه عند الله شهيداً ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل”.

مواقع التواصل تشعل لهيب الغضب

وتداولت آلاف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع الفيديو المؤلم الذي انتشر بقوة وسط تعليقات وصفته بأنه “فيلم لم يحصل على الأوسكار”، بسبب الأحداث المؤلمة التي أصابت والدة الطفل بعد سماعها الخبر.

شارك المقال