بين الارتفاع العشوائي للأسعار وغياب الرقابة… حق المواطن ضائع

منى مروان العمري

صُنّف لبنان في المرتبة الـ 23 عالمياً من بين أكثر الدول غلاء في المعيشة وارتفاع تكلفتها بنسبة 25.5% شهرياً منذ بداية العام 2023، إذ تستمر موجة غلاء الأسعار بين الحين والآخر في ظل غياب الرقابة التي تسمح للتجار المحتكرين بالتلاعب بها وزيادتها كما يحلو لهم. والبعض يبرر ما يحصل بمجريات الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية الجنوبية التي تصبح حجّة يستفيد منها تجّار الأزمات. فالارتفاع غير المُبرر ومضاعفة أسعار السلع والخدمات الأساسية بصورة شبه يومية، بات أمراً ملحوظاً وغير مقبول، في ظل ثبات سعر صرف الدولار خلال الفترة الحالية.

ويبقى الشعب اللبناني في حيرةٍ من أمره، يسأل نفسه كل يوم عن سبب مُقنع لارتفاع الأسعار بهذه الصورة العشوائية، وغياب الرقابة والمتابعة من المعنيين بضمان حقوقهم في الاستهلاك. 

مؤشر ارتفاع الأسعار 22%

أسعار السلع والمواد الاستهلاكية تتغير خلال فترة قصيرة جداً، وبين سوبر ماركت وآخر، هناك فروق يلمسها المواطن اللبناني، وتكمن في المواد الأساسية وغير الأساسية، والمهم هو تقديم الحجج لدفع المزيد والمزيد، هذا ما يؤكده أحد المواطنين في حديثٍ لموقع “لبنان الكبير”، ويعطي مثلاً على ذلك: “اشتريت منذ شهرين مرطبان النسكافيه بسعر 355 ألف ليرة ووجدته أرخص من ماركة أخرى، والشهر الفائت ذهبت لأشتريه بالحجم نفسه فوجدته بسعر 699 ألفاً، ووقفت محتاراً أسأل نفسي: إلى متى سنبقى على هذه الحالة؟ وكيف لأسعار السلع والمواد الغذائية أن تتغير على الرغم من ثبات الدولار؟”.

في هذا الاطار، أشارت “جمعية حماية المستهلك” في بيانٍ إلى “غياب السلطة الكامل، بأجنحتها التنفيذية منها والتشريعية والقضائية، عن هموم الناس، خصوصاً النازحون منهم، في ظل التعديات الاسرائيلية اليومية في الجنوب”، موضحة أن “أسعار 140 سلعة وخدمة التي تشكل أساس حياة الأكثرية الساحقة من سكان لبنان، لا تزال ترتفع منذ ستة أشهر، على الرغم من استمرار استقرار سعر صرف الدولار على 89 ألف ليرة، وها هي نسبة الارتفاع في الفصل الثالث من العام 2023 ترتفع بما نسبته 22% بالنسبة الى الفصل الثاني”.

ولفتت الى “فشل أحزاب الطوائف الحاكمة في وضع خريطة طريق للحل السياسي والاقتصادي، بعد أكثر من أربع سنوات من الانهيار، ليس بسبب الجهل أو العجز بل لأنها الشريك الأساس لنظام الفساد والمحاصصة الذي يتحكم بالبلاد”.

برو: لبنان يفتقر الى الاقتصاد المنتج

ورأى رئيس “جمعية حماية المستهلك” زهير برّو في حديثٍ لموقع “لبنان الكبير” أن “ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة للعام 2023، ليست له علاقة بالأحداث الجارية في جنوب لبنان، بل هو نتيجة التشوّهات الموجودة في الاقتصاد اللبناني في ظل غياب أيّ تخطيط حقيقي وإنتاجي في هذا القطاع”.

أضاف برّو: “ما يقف وراء التدهور الحاصل الذي نعيشه يعود الى افتقار لبنان الى الاقتصاد المنتج، فلبنان يعتبر قبل الأزمة والانهيار المالي والاقتصادي أغلى بنسبة 30% من البلدان المحيطة به باعتباره بلداً قائماً على التجارة والخدمات وليس على الإنتاج والصناعة. وهذا لا يُعالَج إلا من خلال منافسة حقيقية واقتصاد منتِج، إضافةً إلى الاستثمارات في المجالَين الزراعي والصناعي”.

فهد: الرقابة هي رقابة المُستهلك

أما نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد فأكد لموقع “لبنان الكبير” أن “الرقابة الحقيقية هي رقابة المستهلك، والمنافسة هي أكبر رقابة على الأسعار”، مشيراً الى أن “وزارة الاقتصاد أجرت دراسة إحصائية علمية بيّنت أن نسبة بيع السلع لم تتغير، وفي وقت من الأوقات ارتفعت كثيراً ثم انخفضت ثم عادت واستقرّت كما كانت من قبل”.

نادر: الوضع القائم يؤثر على أسعار السلع

واعتبر الأكاديمي والخبير الاقتصادي سامي نادر، أن “هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ارتفاع مؤشر أسعار السلع في لبنان، منها: إرتفاع الأسعار عالمياً ما يؤثر بطبيعة الحال على لبنان، أما الأمر الثاني فهو تداول أخبار عن رفع الضرائب والرسوم الجمركية، ومجرّد الكلام في هذا الاطار سيستدعي ارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية بصورة استباقية. إضافةً إلى ذلك فإن الوضع الاقتصادي والسياسي القائم في لبنان، من شأنه أن يؤثر بصورة مباشرة على أسعار السلع وهذا يعود الى استمرار العجز في الموازنة وعجز ميزان المدفوعات وغيرها من المشكلات الاقتصادية والمالية التي من شأنها أن تضغط على العملة الوطنية وبالتالي تعتبر عاملاً أساسياً للتضخم”.

ونبّه نادر على أن “كل هذه الأمور تؤدي في المحصلة إلى مزيدٍ من الركود واتساع دائرة الفقر، وبالتالي تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية لدى الطبقة الوسطى وهذا سبب رئيس لتقلّص دورة النمو من جهة، وتهديد الأمن الاجتماعي من جهةٍ أخرى”.

شارك المقال