“منقوشة الزعتر” إلى العالمية… تراثٌ يجسّد هوية اللبنانيين

منى مروان العمري

الزيت والزعتر خليطٌ لذيذ لإعداد أشهى أنواع المعجنات المخبوزة، ومنها “منقوشة الزعتر” الغنيّة عن التعريف، والتي رافقتنا في طفولتنا وكذلك طفولة آبائنا وأمهاتنا، أجدادنا وأسلافنا… رافقت الصغير والكبير، الغنيّ والفقير، أيام العزّ والفقر، فكانت الصديقة في الوقت الذي لم يكن يملك فيه اللبناني سوى الزعتر والزيت، وكانت الاجابة دوماً عندما نتساءل: “شو الترويقة اليوم؟”، “منقوشة الزعتر” في الصدارة.

وقامت منظمة “اليونسكو” بإدراج “منقوشة الزعتر” على لائحتها للتراث غير المادي للبشرية، واصفةً إيّاها بأنها “راسخة في الهوية” اللبنانية، وذلك بناءً على طلب قدّمه لبنان في آذار 2022.

وقرّرت اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، التي تعقد اجتماعاتها منذ الاثنين في كاساني في شمال بوتسوانا، إدراج العجينة الشهيرة التي يوضع عليها الزعتر الممزوج بالزيت والتي تُصنع من عجينة طرية ومخمرة، وتٌخبز في الفرن أو على الصاج ضمن التراث غير المادي للبشرية.

مرتضى: من طقوس ثقافة العيش معاً

في هذا السياق، أكد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى لموقع “لبنان الكبير” أن “الأهمية لا تكمن في العجينة فحسب ولا بمقادير أو طريقة الطهو بقدر ما تتعلق بالعروة الوثقى التي تنسجها مأكولاتنا بصياغة وحدتنا المجتمعية”.

وبحسب مرتضى “المنقوشة رفيقة صباحاتنا وعليها تجتمع العائلات وينمو حسن الجوار والحوار والتآخي، إضافةً الى أن خَبزها في البيوت أو على الأوجاق أو الأفران يحدد معايير الضيافة مع ما يرافقها ليصبح تناولها طقساً من طقوس ثقافة العيش معاً”.

“هذا المنتج له هوية ريفية ومدينية إضافةً الى أنه ذو سمعة مدرسية مهمة دخلت الى الضمير الجَمعي والذاكرة الجماعية لألوف ممن رافقتهم الى بنوك الدراسة”، ومن هذا المنظار – بحسب الوزير – “تتحول المنقوشة من مادة غذاء جسدي الى وليمة غذاء روحي وتسهم في بلورة هوية مجتمعية لبنانية وثقافة وطنية حاولت مجتمعات أخرى تقليدها أو خطفها ولا بأس في ذلك اذا نتج عن ذلك اعتراف بمنشئها الأصلي، أعني به منشأ حقول صعترنا البلدي”.

إسرائيل تخطط لسرقة الزعتر

لم ينجُ الزعتر من الاحتلال الاسرائيلي على الاطلاق، فبحجّة حمايته من الانقراض، منعت السلطات الاسرائيلية جمع الزعتر البري منذ العام 1977. كما تُفرض على المخالفين من الفلسطينيين غرامات ثقيلة بالاضافة إلى مصادرة العشب الملتقَط، وفي حالة الامتناع عن السداد يتعرّض بعضهم لأحكام بالسجن.

وفي هذا الصدد، قال الوزير مرتضى: “العدو الصهيوني يخطط منذ نشأته لسرقة موروثنا الثقافي لبناء هوية ثقافية مزعومة له، وما نجاحنا في تسجيل هذا المنتج سوى انتصار على محاولة العدو قرصنة وجه حضاري من وجوه ثقافتنا الوطنية”.

أضاف: “أما الذين انتحلوا صفة مخترعيها وسبق أن سرقوا أطباقاً ونسبوها الى كيانهم، فلا بد وأن نقول لهم: أسرقوا ما شئتم لكنكم لن تفلحوا في إنشاء ثقافة لكم لأنكم تتماهون مع ثقافة الامعان في السرقة والقتل وأعني بها ثقافة اللاثقافة في الكيان الصهيوني المغتصب”.

انتشار في دول العالم

تُخبز المنقوشة في أفران معدنية أو حجرية من الطوب الحراري أو على الصاج المعدني المقعّر، وأشهرها تلك التي تتوافر بالزعتر والزيت أو بالجبنة، وغيرها من الأصناف والخلطات المتنوعة، كما تضاف الى منقوشة الزعتر أحياناً بعض أنواع الخضار ويمكن أن تؤكل مع اللبنة أو الشاي..

وما يبدو لافتاً اليوم، هو أن العديد من المخابز والمطاعم باتت توفّر المنقوشة اللبنانية في عدد من دول العالم بفضل انتشار اللبنانيين فيها، وأصبحت أشهر من نار على علم. فخلال جائحة كورونا تم تداول العديد من العناوين من نوع “منقوشة الزعتر اللبناني تأسر الفرنسيين”، وبحسب الصحف الأجنبية، فقد تخلّى العديد من المطاعم الفرنسية الراقية خلال جائحة كورونا عن لائحة طويلة من الأطباق التي درج على تقديمها، مفضلاً الاتجاه الى توفير مأكولات بسيطة من مختلف أنحاء العالم تتناسب مع الطلبات الخارجية وشهدت إقبالاً كثيفاً من الفرنسيين ومنها “منقوشة الزعتر” اللبنانية.

الزعتر رفيق الأزمات

لا تزال المنقوشة من الخيارات الأرخص ثمناً بين المأكولات اللبنانية في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ العام 2019، على الرغم من ارتفاع أسعار الزيت والزعتر ومكونات العجينة. ففي السابق، كان سعر المنقوشة 500 أو 750 ليرة لبنانية، أيّ ما يعادل نصف دولار أميركي عندما كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة. أما اليوم، فقد ارتفع سعرها إلى 90 ألف ليرة، أيّ ما يعادل دولاراً واحداً، ومع هذا يُسهم بيع المنقوشة في المخابز الصغيرة في تنمية الاقتصاد المحلي.

كلمات البحث
شارك المقال